اختصر انتصاب صادم لجدار إسمنتي أقيم أمس في ساحة رياض الصلح عازلا المحيط الامني للسرايا الحكومية عن "ساحة التظاهر والاعتصامات" تداعيات المشهد الاحتجاجي العارم الذي غمر ساحات بيروت يومي السبت والاحد الماضيين. وبدا واضحاً ان قراراً صارماً بحماية السرايا اتخذ أمس على خلفية وقائع امنية جرت ليل الاحد وكادت تؤدي الى اثارة توترات ذات بعد مذهبي وتوقعات لاستمرار موجات التظاهر في المرحلة المقبلة. لكن اقامة الجدار، التي جاءت عقب ليل الشغب الذي عاث تخريباً في وسط بيروت، لم تخفف اندفاع حركة "طلعت ريحتكم" نحو الاستمرار في تحركها بل شكلت استفزازاً لها، فدعت الى تظاهرة جديدة مساء السبت المقبل.
كما أن تداعيات المواجهات التي جرت لم تحجب تصاعد حمى الاستحقاقات الداهمة التي سيكون اولها اليوم بت ملف النفايات في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء التي دعا اليها رئيس الوزراء تمّام سلام عقب فض عروض مناقصة هذه النفايات أمس. وهي جلسة تكتسب اهمية مفصلية من ناحيتين: الاولى لكونها ستشكل اختبارا حاسما والبعض يصفه بأنه مصيري للوضع الحكومي نظراً الى استمرار الكباش على أشده بين مجموعة القوى التي يمثلها 18 وزيراً تدفع في اتجاه بت القرارات الحكومية بالاكثرية والفريق العوني الذي يعطل هذه القرارات مدعوماً من "حزب الله". والثانية لان الجلسة تشكل الفرصة النهائية التي حددها الرئيس سلام لبت ملف النفايات الذي كاد يدخل البلاد في دوامة اضطرابات اجتماعية وأمنية شكلت التظاهرات الحاشدة في بيروت نماذج متقدمة منها . وعلى رغم تعويل بعض الاوساط على امكان ان تلامس الجولة الـ 17 للحوار بين تيار "المستقبل" و"حزب الله"، التي أنعقدت ليلا في عين التينة، ملامح مخرج مهدىء يجنب الحكومة هزة قوية جديدة، لم تبرز أي معطيات من شأنها ان تستبعد تجدد الصدام في الجلسة اليوم، علماً ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أجرى اتصالات مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيس أمين الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أثار فيها ما يعده مخالفة دستورية وميثاقية في توقيع المراسيم الحكومية بأكثرية وزارية وليس بالاجماع. كما ان عاملا آخر طرأ عشية الجلسة تمثل في اثارة اعتراضات على المناقصة نفسها لجهة اسعارها المرتفعة قياساً بالاسعار التي كانت تتقاضاها شركة "سوكلين". واسترعت الانتباه في هذا السياق مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري ليلا باعادة النظر في مناقصة ملف النفايات "نظراً الى الاسعار المرتفعة وتحميلها الخزينة اعباء اضافية كبيرة وإلا الغاء المناقصات كاملة".
المناقصات
وكانت مناقصات النفايات رست على أسعار راوحت بين سقف أعلى 205 دولارات وسقف ادنى 123 دولاراً للطن الواحد. وبرر وزير البيئة محمد المشنوق ذلك بأن هذه الاسعار تشمل اقامة معامل للمعالجة وتحضير وتجهيز المطامر، وقت كانت شركة "سوكلين" تشغّل معامل موجودة، كما أن هذه الاسعار تشمل موضوع الكنس الذي لم تكن سوكلين تقوم به خارج بيروت. وقال مصدر معني بالمناقصات لـ"النهار" إن دفتر الشروط طلب من العارضين تحديد سعر الجمع والمعالجة وكذلك الكنس وهو الذي تسبب بالفارق مع السعر الذي تتقاضاه "سوكلين"، في حين ان ثمة خفضاً في بعض المناطق مثل كسروان والمتن وجبيل حيث بلغ سعر طمر الطن 123 دولاراً في مقابل 160 دولاراً تتقاضاه "سوكلين".
وقالت مصادر قريبة من وزير البيئة ان الوزير سيقدم الى مجلس الوزراء جدول مقارنة بين أسعار "سوكلين" وأسعار المناقصات تلحظ وضع الكنس جانباً لان عقد "سوكلين" لا يشمل الكنس الا في بيروت الكبرى بما يظهر ان الاسعار متقاربة والعمل افضل.
وتوزعت الشركات الفائزة في المناقصات المناطق الست المحددة وفق خريطة وصفها معنيون بأنها تعكس "لامركزية النفايات" من جهة والمحاصصة السياسية من جهة أخرى. وفازت شركة "لافاجيت" في منطقتي الشمال وبيروت وهي تابعة لأنطوان أزعور شقيق وزير المال السابق جهاد أزعور. وفي جبل لبنان الشمالي فازت شركة "إندفكو" التابعة لنعمة افرام، و"بوتيك" التي يملكها نزار يونس.
وفازت شركة "الجنوب للإعمار" في عاليه والشوف وقسم من بعبدا وهي تعود الى رياض الأسعد. أما شركة "ورد" التي فازت في الجنوب والنبطية فهي لرئيس نادي التضامن صور السابق شريف وهبة المقرّب جداً من الرئيس بري. وتعود شركة "ان ان سي" التي فازت في البقاع والهرمل الى جهاد العرب وقاسم حمود القريبين من الرئيس سعد الحريري.
وصرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" بأنه لا يتوقع أن يُقرّ اليوم في مجلس الوزراء شيء من المناقصات بل يتوقع أن تبدأ مرحلة درس المناقصات، خصوصاً ان الرئيس بري دعا الى إعادة النظر فيها. لكنه رأى في فض العروض نقطة إنطلاق على أن يبت الملف خلال فترة بسيطة ويبدأ الشروع في اعتماد إجراءات موقتة لمعالجة مسألة النفايات ريثما تنجز مسألة المطامر. وأشار الى إمكان خفض أسعار الشركات التي رست عليها المناقصات وهذا أمر معروف في هذا المجال من طريق المفاوضات التي ستتم بين الدولة والشركات.
وعن الجلسة العادية لمجلس الوزراء بعد غد الخميس قال إن الاولويات فيها باتت معروفة ألا وهي الرواتب والهبات والقروض وقضية شركة الطيران الاجنبية التي تقاضي لبنان. وأوضح أن أجواء التصعيد السياسي المرافق لعمل الحكومة لا يزال قائما.
الجولة الـ17
أما جولة الحوار الـ17 في عين التينة بين "المستقبل" و"حزب الله"، فانتهت الى بيان جاء فيه: "بحث المجتمعون في تطورات الاوضاع الداخلية والقضايا الاجتماعية وما حصل في الايام الاخيرة. و أكدوا حرصهم على حرية التعبير والتظاهر السلمي في اطار القوانين والانظمة المرعية، ودعمهم لمؤسسات الدولة في حماية الاستقرار الداخلي وحفظ الامن والمؤسسات العامة والاملاك الخاصة.
وشدد المجتمعون على اولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الاطراف لمعالجة الازمات، وعلى ضرورة تحمل الدولة مسؤولياتها في القضايا التي تهمّ المواطنين".
وعلمت "النهار" ان نتائج الجولة لم تبدد اجواء التوقعات السائدة حول جلسة مجلس الوزراء اليوم التي يرجح عدم خروجها بنتائج حاسمة سواء بالنسبة الى مناقصات النفايات التي طالب بري باعادة النظر فيها أم بالنسبة الى عقدة مطالب العماد عون. لكن الفريقين حرصا على تاكيد ضرورة الحفاظ على المؤسسات والاستقرار وتجنب مزيد من التدهور.