حولت القوى الامنية ساحة رياض الصلح الى ساحة حرب حقيقية في مواجهة متظاهرين سلميين عزّل، عبر استخدامها كل اشكال القوة المفرطة من رصاص حي ومطاطي وقنابل مسيلة للدموع وخراطيم المياه وسيارات مجهزة باحدث الاساليب لمواجهة المتظاهرين العزل، مما ادى الى سقوط شهيد وعشرات الجرحى من المتظاهرين الذين ردوا على قمع السلطة باجسادهم العارية والمبللة وما توفر لهم من حجارة.
القرار الذي اتخذه الرئيس تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق مع بعض المسؤولين ادى الى حرق بيروت امس، وتسبب بكل المآسي التي حصلت نتيجة رفضهما لكل الحلول، حتى انهما ذهبا بتبرير قمعهما المفرط وسقوط شهيد وعشرات الجرحى بوجود «المندسين» واستخدام هذه العبارة لتبرير قرارهما القمعي، فيما جميع اللبنانيين شاهدوا وعبر النقل المباشر للوسائل الاعلامية، ان الاستخدام المفرط للقوة ادى الى فلتان الامور وتحول المشهد الحضاري الى مشهد عنفي نتيجة قمع القوى الامنية بقرار من الرئيس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقد اجتاحت هذه القوى منطقة رياض الصلح دون اي اكتراث لارواح الناس ولاحقتهم حتى ساحة الشهداء.
المشهد الذي عاشه اللبنانيون امس كشف ان لبنان يعيش ازمة نظام حقيقية، مع وجود طبقة سياسية فاسدة، هي الاسوأ منذ قيام لبنان الكبير عام 1920، فهذه الطبقة وعبر سرقاتها ومحصصاتها وفسادها شلت البلاد واوصلت الديون الى 70 مليار دولار واكثر، دون اي تحسن في الخدمات، فلا طرقات ولا مياه ولا كهرباء بالاضافة الى عدم وجود فرص للعمل والوساطات السياسية التي قضت على الكفاءات الجامعية، ودفعت هؤلاء مع الكثير من اللبنانيين الى الهجرة، حتى ان الطبقة السياسية تتحكم بامور البلاد والعباد، وكل شيء من نصيبهم، والفتات للناس فقط، وصولا الى ازمة النفايات ورائحة الصفقات في هذا الملف. وتعطيل الحلول جراء «حفنة من الدولارات» فالطبقة السياسية استفادت باكثر من مليار دولار من اسعار طن النفايات ولا زالت تريد المزيد من «الجشع والنهم» ولا حلول لملف النفايات الا بعد تنظيم السرقة. ورغم مساوىء هذه الطبقة السياسة فانها ترفض الانتقاد والمحاسبة وكأنها من عالم اخر، وهي استكثرت على الناس العزل من المجتمع المدني، والفنانين والمثقفين والنخب والمعلمين والمواطنين القيام بتظاهرة استنكارا للواقع القائم فتعاملت الحكومة معهم عبر رئيسها ووزير داخليتها والعديد من المسؤولين كأنهم قطاع طرق ويجب قمعهم وازالتهم، لانهم تجرأوا على رفع الصوت في مواجهة الفاسدين واكثر ما «ضايق» الطبقة السياسية تزايد اعداد المتظاهرين من العشرات الى المئات وصولا الى الالوف مع تعاطف غير مسبوق من اللبنانيين مع المتظاهرين، حيث فشلت كل اجراءات السلطة في قمعهم وثنيهم عن التراجع عن مطالبهم، ابرزها استقالة الحكومة واجراء انتخابات نيابية ومحاسبة المسؤولين عن القمع وانتخاب رئيس للجمهورية، ودعوا لتظاهرة كبرى مساء اليوم عند الساعة السادسة مساء، وبالتالي فان ارهاب الحكومة والسلطة لم يجعلهم يتراجعون او ينكفئون.
الامور في البلاد الى الاسوأ طالما المسؤولون يعالجون الاوضاع بهذه السطحية وتجاهل الازمة الحقيقية، ولماذا تجاهل مطالب هؤلاء باستقالة الحكومة، حيث تلقى الرئيس سلام جرعات دعم من الرئيس نبيه بري والرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع ودعوه للصمود، حتى ان الرئيس نبيه بري دعا سلام الى تقريب اجتماع مجلس الوزراء، فيما طالبهم سلام بتحويل دعمهم الكلامي الى «دعم فاعل» في مجلس الوزراء عبر تسريع المناقصات في ملف النفايات وتسهيل عمل الحكومة في جلسة الخميس والا فانه على موقفه بالاستقالة، حيث لا يعود هناك من مبرر لمجلس الوزراء، رغم ان الرئيس سلام اشار في مؤتمره الصحافي الى ان الازمة اكبر من ازمة النفايات وانها ازمة النفايات السياسية في لبنان وحمّل التيار الوطني الحر دون ان يسميه مسؤولية عرقلة الحكومة. هذا ما دفع وزير الخارجية الى الرد وتأييد مطالب المتظاهرين والعودة الى الشارع لتحقيقها، وتحميل سلام مسؤولية عدم اتخاذ القرار وعدم التراجع عن الموقف من آلية عمل الحكومة في جلسة الخميس.
واللافت ان تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي طلبا من مناصريهما الانسحاب من تحركات «طلعت ريحتكم» والانتباه الى ما يخطط من قبل قوى تحاول استغلال ما جرى لاسقاط الحكومة ورئيسها.
فحكومة العنف والقمع والدم والشهداء والجرحى، كشفت انها قادرة على اتخاذ القرار عندما تريد في مواجهة المواطنين المنتفضين، وبالتالي فان ماحصل اعطى صورة غير «جيدة» وسيئة للحكومة ورئيسها تمام سلام، وللمصيطبة التي بقيت طوال تاريخها قمة في الاعتدال والابتعاد عن العنف و«الدماء». وبالتالي كان على الرئيس تمام سلام اتخاذ قراره بالاستقالة لان هناك من يعمل «لاخراجه» عبر «احراجه» من خلال الصورة التي ظهرت بها حكومته امس، وبالتالي فان تمسك الرئيس سلام بالحكومة وفي ظل هذه الاوضاع سيزيد من جراحها ومأزقها وسيزيد متاعب الرئيس سلام وسيؤثر حتما على مستقبله السياسي، خصوصاً انه لا يتلق الدعم الكافي من حلفائه ويتركونه وحيداً في المواجهة وتحمل المسؤولية. وكان على الرئيس سلام عدم المشاركة باتخاذ قرار في قمع المتظاهرين السلميين الذين اكدوا ان مطالبهم ليست ضد شخص سلام بل ضد الطبقة السياسية التي حولت البلاد الى مكب للنفايات.
ورغم المشهد السياسي فان الاتصالات لم تكن على مستوى حجم «الحدث»، وظهر ان الجميع في «مأزق» وكذلك البلاد، والامور «رهن» التطورات على الارض وكيف ستتجه، بالاضافة الى جلسة الخميس، ومصير الحكومة. فهل تؤدي هذه التطورات الى «مخرج متكامل» للحل عبر سقوط الحكومة، ودخول البلاد في مرحلة من «الفراغ» والفوضى المتنقلة التي لن تخرج عن السيطرة، وهذا ما سيدفع المجتمع الدولي والاقليمي الى التحرك لانتاج تسوية شاملة شبيهة بتسوية الدوحة عام 2008 عبر انتخاب رئيس للجمهورية وعودة التشريع وتشكيل حكومة جديدة، في ظل حرص المجتمع الدولي على الاستقرار في لبنان.
الامور مرهونة بتطورات الساعات المقبلة وتحديداً على الارض وكيف ستدار؟
بري: من حق الناس ان تصرخ وتتحرك
نقل زوار الرئيس نبيه بري عنه قوله «انه عندما يغيب المجلس ويشل ولا يستطيع القيام بدوري التشريع والمحاسبة، فمن الطبيعي ان يطالب الشعب بوكالته، وهذا لا اقوله اليوم بل عبرت عن ذلك في السابق ايضا».
واضاف: من حق الناس ان تصرخ وتتحرك وما يحصل هو حركة مشروعة في اطار حرية التعبير والتظاهر، لكنه قال ردا على سؤال حول استقالة الحكومة، هذا الامر سيؤدي الى فراغ في السلطة ولا يوجد بديل عن الحكومة خصوصا في ظل الشغور الرئاسي.
وعلم ان بري اجرى اتصالات مع الرئيس تمام سلام قبل مؤتمره الصحافي واقترح عليه تقديم موعد فض العروض حول موضوع النفايات الى الاحد (امس)، لكن تبين ان ذلك متعذر ويحتاج الى ساعات اضافية ولذلك ارتؤي ان تتم العملية اليوم كما اقترح تقديم موعد مجلس الوزراء.
من جهة اخرى نفت قيادة شرطة المجلس نفيا قاطعا خبرا مفاده انها اعتدت على المواطنين واطلقت الرصاص في الهواء، واكدت ان هذا الخبر عار عن الصحة تماما وان عناصرها متواجدون داخل نطاق المجلس ولم يحصل اي احتكاك مع المواطنين والشرطة ليست على تماس معهم.
وعلم ان بري اعطى توجيهاته مسبقا ببقاء عناصر شرطة المجلس في نطاق المجلس.