خرجت الحركة الاحتجاجية على قضية النفايات أمس، عن مسارها، كما عن السيطرة، بما في ذلك سيطرة الداعين إليها، وأُخليت ساحة رياض الصلح للمندسّين والمجموعات «المخرّبة» والفوضى التي ملأت الفراغ السياسي الناجم عن سياسة التعطيل المتواصلة منذ شغور موقع رئاسة الجمهورية، قبل أن يتدخّل الجيش قبيل منتصف الليل لصدّ المشاغبين (وليس المتظاهرين). وأثارت عمليات الشغب التي عاثت في وسط بيروت سرقات وتكسيراً للمحال وإشارات السير، علامات استفهام سياسية كبرى حول الهوية السياسية لهؤلاء «المندسّين» الذين حضر معظمهم من منطقة الخندق الغميق، وحول الغايات السياسية من وراء هذا الشغب الذي استهدف استقرار لبنان واللبنانيين، بمن فيهم منظّمو تحرّك «طلعت ريحتكم» الذين سارعوا الى تمييز أدائهم ومطالبهم عن أداء ومطالب «المندسّين».

انتخاب رئيس

وفيما غاب «حزب الله»، وحده، عن السّمع وعن اتخاذ أيّ موقف إزاء ما شهدته العاصمة على مدى يومين، أجمعت القوى الرسمية والسياسية على أن ملف النفايات هو «القشّة التي قصمت ظهر البعير»، على حدّ تعبير رئيس الحكومة تمام سلام، بعد انعكاس الشغور الرئاسي المستمرّ «منذ أكثر من عام» كما قال الرئيس سعد الحريري» سلباً على مسار الدولة ككلّ وعلى عمل الحكومة ومهمّاتها». وهذا ما دفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى التأكيد أمس أن الفوضى العارمة هي «نتيجة الامتناع عن انتخاب رئيس»، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع وأعضاء كتلته النيابية الى الاتصال برؤساء الكتل النيابية، كما كشف مصدر رفيع في «القوات» لـ»المستقبل»، ودعوتهم الى الاعتصام في المجلس النيابي «الى حين انتخاب رئيس».

اتصالات

اليوم الماراتوني تخلّلته اتصالات سياسية متسارعة شملت الرؤساء برّي وسلام والحريري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي انتهت حسب مصادر وزارية متابعة الى مجموعة من النتائج أبرزها:

1 انتشار الجيش ليلاً في مناطق الاضطراب في وسط بيروت لصدّ المشاغبين، بعد اتصالات بين الرئيس سلام والوزير المشنوق وقائد الجيش.

2 تقديم موعد فض عروض المناقصات بشأن النفايات من مساء غدٍ الثلثاء الى بعد ظهر اليوم.

3 تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الخميس المقبل الى يوم غدٍ الثلثاء أو الأربعاء وفقاً لنتائج اجتماع فض العروض.

4 استعادة «التماسك» بين مكوّنات الحكومة المتوافقة على إقرار مجموعة من البنود الضرورية في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، وفي مقدّمها بند النفايات، حتى ولو اضطرّت الى التصويت.

برّي

ونقل زوّار الرئيس برّي عنه تأكيده أمس أنه متمسك بتصويت وزرائه في الحكومة على أي قرار حتى «لو صوّتوا لوحدهم»، وأنه أبلغ الرئيس سلام أمس هذا الموقف، آملاً منه تقديم موعد الجلسة وكذلك اجتماع فض العروض، مستنكراً الدعوات الى إسقاط الحكومة.

ووصف برّي حسب الزوّار ما جرى في ساحة رياض الصلح بـ»الخطير»، داعياً الى استيعاب الوضع قبل انفلاته «في وجه الجميع». وإذ نفى انتماء «المندسين» الى حركة «أمل»، أكد أن خارطة الحلّ تنطلق من فتح أبواب المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية من جهة، والسّعي من جهة ثانية الى إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة ستة شهور فقط بانتظار ترجمة نتائج فض العروض.

سلام

وكان الرئيس سلام أعلن في مؤتمر صحافي أمس أن ما حدث «لا نستطيع إلا أن نتحمّل مسؤوليته خصوصاً في ما يتعلّق باستعمال القوة المفرطة مع هيئات المجتمع المدني»، جازماً أن ذلك لن يمرّ من دون محاسبة»، مؤكداً أن ما جرى «ليس ابن ساعته بل هو تراكم لقصور ولتعثّر ولغياب نعيشه ونتحمّله». ودعا الشعب «لمساعدتنا لأن هناك غياباً للقوى السياسية التي لا تقوم بواجباتها في السلطة التشريعية وفي العجز عن انتخاب رئيس وصولاً الى تعطيل مجلس الوزراء». وأكد سلام أن «أمامنا جلسة (للحكومة) الخميس، فإذا لم تكن منتجة لا لزوم لمجلس الوزراء من بعدها»، ملوّحاً بقرار «مناسب».

الحريري

ومن جهته أكّد الرئيس الحريري دعمه لموقف الرئيس سلام، ودان أي شكل من أشكال «الإفراط الأمني في مواجهة التظاهرات السلمية»، منبّهاً من استدراج البلاد الى «الفوضى والمجهول».

وقال: «الاعتراض على مشكلة النفايات والمطالبة بحلّها وبسرعة شيء، والمطالبة بإسقاط الحكومة والنظام شيء آخر»، معتبراً ان إسقاط الحكومة يعني «إسقاط آخر معقل شرعي ودخول لبنان في المجهول».

جنبلاط

وكذلك جدّد النائب جنبلاط التأييد والدعم للرئيس سلام ولموقفه «الحازم لناحية حتمية أن تكون جلسة مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن منتجة»، معتبراً أن الاستمرار بسياسة التعطيل «لم يعد مقبولاً تحت أي ذريعة وفي أي ظرف من الظروف».

جعجع

أما رئيس حزب «القوات» جعجع فدعا النواب الى «النزول الى البرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية»، مناشداً رئيس الحكومة بعدم الاستقالة «إذ تترتّب عليه مسؤولية الإمساك بالشرعية لحين التوصّل الى شاطئ أمان ما». وطالبه بدعوة الحكومة الى اجتماع «فوري واستثنائي يقتصر جدول أعماله على نقطتين أساسيّتين: جمع النفايات فوراً والإشراف على التحقيقات لتبيان مَنْ أطلق النار على المتظاهرين».