التجمع السلمي الذي دعت إليه بعض الجمعيات المدنية للتظاهر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح ومطالبة الحكومة بإيجاد حل سريع لمشكلة النفايات التي تتفاقم يوماً بعد يوم .
لا شكّ أنّه مطلب واقعي ومحق وملح ، إلاّ أنّ الدعوة التي أطلقها بعض هؤلاء المتظاهرين إثر الإشكال الأمني الكبير الذي وقع بين القوى الأمنية والمتظاهرين والمطالبة بإسقاط النظام فهي إما دعوة غبية أو دعوة مشبوهة ، وفي كلتا الحالتين لن تؤدي إلا إلى تمييع الهدف الحقيقي للتظاهر والقفز فوق المطالب المحقة وتوجيه المشكلة في مسارات أخرى خصوصاً وأنّ هناك قوى سياسية وحزبية تحاول استغلال الموقف والحاجات المطلبية للمواطن اللبناني لتحقيق بعض المآرب الخاصة التي تخدم مشروعها السياسي .
وقد كان لافتاً الإفراط الواضح في استعمال العنف من جانب القوى الأمنية التي من المفترض أن تحافظ على أرواح وممتلكات المواطنين والتي احتشدت في مواجهة التظاهرة في حين أنّه لم يكن أمراً عابراً أن يسقط في صفوف المتظاهرين نحو 18 جريحاً على الأقل فيما سقط للقوى الأمنية 35 جريحاً.
وهذا التدهور الخطير الذي بدا أنه صنيعة تفلت أو انعدام سيطرة على المشهد التعبيري الضخم للمتظاهرين انزلقت معه القوى الأمنية إلى الإفراط في استعمال القوة سيضع الحكومة برمتها أمام واقع لم تواجه مثيلاً له سابقاً .
خصوصاً أنّ موجة العنف الأولى في التظاهرة تسببت بشكل واضح في تفجير موجات السخط والغضب اللاحقة التي حولت ساحة التظاهر إلى ساحة معارك حقيقية طوال أكثر من خمس ساعات .
ولم يكن أمرا عادياً أن ترتفع فوق غبار الغاز المسيل للدموع الذي أطلق بكثافة هائلة مع خراطيم المياه ومن ثم تطور إلى إطلاق الرصاص الحي في الهواء بغزارة شعارات الثورة والمطالبة بإسقاط الحكومة واستقالة مجلس النواب للوصول بالبعض من المتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط النظام في معالم غضب انفجر بقوة جارفة بفعل الاستهانة المديدة بصبر الناس ومعاناتهم في أزمة النفايات والكهرباء والمياه وسائر الأزمات والمشاكل الإجتماعية والمعيشية .
وإذا كانت بعض المعالم في التحرك الاحتجاجي الكبير أفصحت عن أجندات سياسية وحزبية ركبت موجة الحركة المدنية وذهبت في اتجاهات مختلفة ، فإنّ ذلك كان يجب أن يكون محسوبا بدقة وأن يجري احتواء المشهد التظاهري والحشد بمرونة أكبر .
إلا أن انفجار الوضع بهذا الشكل الخطير وضع الحكومة أمام صدمة الإحراج الكبير الذي ستواجهه الآن وسط مزايدات سياسية وبحث عن أجوبة ملحة عن تحديد المسؤوليات الميدانية كما سيضعها أمام تفتق السجالات وتفجرها بين بعض أطرافها الداخليين .
وفي المشهد السياسي فإن الهجوم المفاجىء والحاد الذي شنه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط على وزير الداخلية نهاد المشنوق ومطالبته بالإستقالة وضع الجانب السياسي من تداعيات المواجهة في عين العاصفة .
وعليه فإن المطلوب من قيادات الجمعيات المدنية الداعية إلى التظاهر والمنظمة للمظاهرة والاعتصام والمطالبة بإيجاد حل سريع لمشكلة النفايات أن تنأى بتحركها المطلبي عن أي استغلال سياسي وحصر حركتها الاحتجاجية بالمطلب الذي انطلقت على أساسه كي تفوت الفرصة على المصطادين في الماء العكر.
وعلى الجميع أن يدرك أن اللحظة ليست باللحظة المثالية للمطالبة بإسقاط النظام على علاته ومساوئه.
والربيع اللبناني بالتأكيد سوف لن يكون بأفضل حال من الربيع العربي الذي اجتاح معظم الدول العربية ودمرها أمنيا وعسكريا واجتماعيا وبدد الثروات الطائلة لشعوبها .