هو الحب العابر للقارات والطوائف، لا تحدّه حدود ولا تقيّده فوارق اجتماعية او عرقية أو إتنية... هالا خنيفس الجنوبية الموطن والمسيحية الطائفة جمعها الحب بضابط هندي من طائفة السيخ حمل قبّعته الزرقاء خدمة للسلام في لبنان عام 1999 فإذ به يُدخل السلام الى قلبها ويحملها معه الى بلاده بعد ان ارتبطا بزواج مدني تعهدا خلاله على "الحلوة والمرّة".

زواج أثمر خلال خمسة عشر عاما جاد (11 عاما) وجنى (9 اعوام) وأثبت أنّه رغم الفوارق العديدة ما جمعهما أكبر وأعمق من الاختلافات. تعيش هالا، منذ زواجها، في الهند متنقّلة من منطقة الى أخرى مع عائلتها بحسب ما تقتضي ظروف زوجها الضابط في الجيش الهندي، الا أنّها لم تنقطع يوما عن لبنان ولا عن بلدتها بلاط ذي النسيج المسيحي الشيعي.

"النهار" التقت هالا وأولادها أثناء زيارتها لمنزلها الوالدي حيث تقضي إجازة صيفية قصيرة قبل العودة مجدّدا الى الهند للحديث عن تجربتها وسر نجاح زواجها الذي وحتى الساعة يثير فضول كثيرين. بالعودة الى بداية العلاقة تقول هالا: "عام 1999 كنت مدرّسة في مدرسة بلاط الرسمية وكان مسؤول موقع بلاط التابع للكتيبة الهندية الرائد تابي يتردّد الى المدرسة للتنسيق مع مديرها في شأن نشاطات مشتركة وكنت أتولّى الترجمة. تكرّرت اللقاءات وكلّها تتمحور حول المدرسة والتلامذة ولم أتنبّه الى انني قد لفتُّ نظره، الى ان صارحني بمشاعره وبأنه يرغب بي زوجة وأمّا لأبنائه، وكان هذا الأمر مفاجأة لي. مع الوقت بادلته المشاعر نفسها لكنّني لم أتوقّع يوما ان علاقتنا قد تنتهي بزواج، فالأمر كان صعبا للجميع خصوصا بالنسبة لوالدتي التي اعتبرت انني أذهب الى المجهول. وقرّر تابي يوما ان يدعو عائلتي الى العشاء وطلب يدي صراحة، فساد حينها صمت استمرّ عدّة دقائق الى ان كسره والدي بكلام منطقي وعقلاني بأنّه علينا ان ندرس هذا الاستحقاق بكل جوانبه لأنّ فيه صعوبات كثيرة".

أنهى تابي مهمّته في لبنان وغادر الى الهند، لكنّه بقي وهالا على اتصال رغم صعوبة التواصل في حينها التي اقتصرت على مكالمات هاتفية في السنترال وبعض الرسائل الالكترونية (كانت خدمة الانترنت في بداياتها). عام وسبعة أشهر كانت فترة اختبار لكلّ منهما لم يريا بعضهما البعض ولكن كان التزاما متبادلا بالحب الذي يجمعهما.

تابي ليس مواطنا هنديا عاديا، فالى جانب كل الاختلافات الدينية والاجتماعية فهو ضابط في الجيش الهندي وهذا الامر تطلّب اجراءات مشدّدة من حكومته لأن زوجته ستكون اجنبية، وهو ما يرافق هالا حتى اليوم لجهة نمط الحياة الذي تعيشه. وردا على سؤال عن كيفية اقتناع هالا بتابي رغم كلّ هذه الاختلافات قالت: "انا تربّيت في عائلة مبادئها الانفتاح على الآخر وقبوله مهما كانت طائفته او جنسه او انتماؤه. تعلّمنا ان التعامل مع الانسان يكون بالمبادئ الانسانية، قد يؤمن بهذه القيم الكثيرون ولكن قلّة يطبّقونها. اضف الى ذلك ان تابي انسان منفتح ايضا وغير طائفي والتقينا عند الكثير من النقاط. هذا الامر تقبّلته عائلتي مع تخوّف والدتي طبعا ولكن لم يعترضوا ووافقوا على قراري الذي لم يكن سهلا ابدا عليّ اتّخاذه لكنّني فكّرت مليا آخذة بعين الاعتبار كلّ جوانب الموضوع وصعوباته. وانا من طلبت ان يكون الزواج مدنيا استنادا الى اقتناع مسبق لديّ بغض النظر عن طائفة من سأتزوّج. وما سهّل الامر عليّ ايضا، كما ذكرت سابقا، ان تابي شخص منفتح وليس طائفيا".

من قبرص إلى الهند

عام 2002 تزوجت هالا مدنيا في قبرص وغادرت الى الهند لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها في بلد لا تعرف عنه ومنه الا زوجها. كلّ من حولها غريب وكلّ ما حولها غريب ايضا من عادات وتقاليد وديانات وثقافات ولغات (ففي الهند مئات اللغات بحسب المناطق). في البداية شعرت هالا انّها تعيش في كوكب آخر لانعدام أي قاسم مشترك مع بلادها الا ان الترحيب الذي لاقته من الشعب الهندي ساعدها على التأقلم، اضف الى ان الجميع يتكلّم الانكليزية لذا لم تجد حاجة لتعلّم أيّ من اللغات الهندية فبقيت حتى اليوم لغة التواصل مع عائلتها الجديدة والمجتمع الانكليزية.

لا شكّ ان شخصية تابي وحبّه لهالا كانا بوّابة العبور السهلة لهذا العالم الجديد، فقد تمكّن تابي من ازالة كلّ الصعوبات التي كانت عائقا امامها وتبسيط الأمور قدر الامكان، وعن ذلك تقول: "قام تابي بتنازلات كثيرة كي يساعدني على التأقلم، لا بل هو أقلم نفسه ليكون أكثر قربا منّي وهو دائما حريص على ارضائي وتوفير كل وسائل الراحة لي حتى بأبسط الامور اذ يفرح كثيرا مثلا حين يجد لي منتجات لبنانية، حتى ان عائلته التي تنتمي ايضا الى طائفة السيخ تضع شجرة الميلاد احتراما لي. بالمقابل انا اتعايش مع هذا الواقع وأتأقلم يوميا رغم التبدّلات الكثيرة التي نعيشها بسب تنّقلنا المستمر من منطقة لأخرى مع ما يتطلّب ذلك من تغيير لغة جديدة لأولادي ومدارس وبيئة أخرى واصدقاء جدد... ولكن على الانسان ان يساعد نفسه على التأقلم والتنازل عن امور كثيرة كي يتمكّن من العيش بسهولة وتقبّل البيئة التي يعيش فيها".

تذكر هالا ان الشعب الهندي طيب ومحبّ ويهتمّ بها كثيرا ويلفتها اهتمامه بالعائلة مشيرة الى انّها لم تنل الجنسية الهندية حتى الساعة بسبب بعض المعاملات. وعن سر نجاح زواجها رغم كلّ هذه الاختلافات تقول: "وعي الطرفين وقبول فكرة التغيّر والتأقلم مع اصرارنا سويّا على انجاح علاقتنا وزواجنا الذي أثمر ولدين". وتضيف: "ليس سهلا الزواج بضابط في الجيش الهندي، فكما هو متعارف عليه ان الجيش هو الزوجة الاولى بسبب الالتزامات التي يفرضها العمل، ولكنّني اعتدت على الأمر".

هالا ... ملكة

تشعر هالا انها تعيش كملكة لأنّ زوجها أحاطها بهالة من الحب والحياة الكريمة والمعاملة المميّزة، ولكن رغم ذلك يبقى حنين عميق للبنان تنعشه بزيارة سنوية مع زوجها واولادها الذين يحبّون لبنان ايضا، وزوجها يردّد في كلّ مرّة "يمكن ان اعيش هنا دائما". حبّ هالا لوطنها الام وارض بلادها تعكسه رغبة متكرّرة لتابي بشراء قطعة ارض في لبنان ولا يمانعان بذلك جاد وجنى اللذين ينتميان شكلا ومضمونا لبلدهم الهند ولكن يحبّان طقس لبنان و"بيت الضيعة" حيث يسكن جدّاهما في بلاط والطعام اللبناني كالفاصوليا والمجدرة ولبن أمّو... لذا تحرص هالا في كل زيارة على جمع ما توفّر من "المونة" اللبنانية من لبنة وكشك وزعتر ودبس رمّان وغيرها... علم انّها أتقنت فن الطبخ الهندي ايضا ولكن بأسلوب لبناني!

 

(رونيت ضاهر)