لا ليست رائحة فساد المسؤولين هي التي تفوح في سمائنا. ولا ليست رائحة النفايات هي التي تفوح في شوارعنا. ولا، أيضاً وأيضاً، ليست رائحة الصفقات هي التي تفوح في زوايا يوميّاتنا.
الروائح المقيتة التي تغزونا هي رائحة كسلنا وخمولنا وفسادنا، ممزوجةً برائحة ووقاحة وعهر وفساد سياسيّينا.
ولكن مهلاً... ليس مسؤولينا هم من "طلعت ريحتهم" فقط. فرائحتي ورائحتك ورائحتكم ورائحتنا جميعاً هي التي فاحت في الشوارع.
"طلعت ريحتنا"، نحن من وقفنا متفرّجين على طرقنا تغرق شيئاً فشيئاً بـ"الزبالة"، ونحن من شهدنا على شباب ضُربوا وتمّ رشّهم بالمياه لأنّهم اختاروا، على عكسنا، أن يحتجّوا على "المسخرة" التي وصلنا إليها.
هنالك بالأمس، من ضُرب عن كلّ مرّة تقاعسنا فيها عن المطالبة بحقوقنا. هنالك من أوقف بالأمس لأنّه اختار "التمرّد" من أجلنا كلّنا. هنالك من علّمت على أجسادهم بالأمس ضرباتنا نحن من تابعناهم عبر الشاشات و"تعاطفنا" معهم فقط، وبالكاد. هناك بالأمس من حملوا عنّا ثقل أزمة نفاياتنا وأكثر...
"طلعت ريحتنا"، فمن ينتشلنا من القرف الذي أوصلنا أنفسنا إليه؟ وما الذي نحتاجه أكثر من مشهد النفايات المكدّسة في الشارع، والمياه والكهرباء المقطوعتين من بيوتنا، وأسعار المحروقات المرتفعة، ووضع الطرق المزرية، والتدهور الإقتصادي المستمرّ و.. و.. و....
ما الذي نحتاجه حتّى نستفيق من كبوة سِرنا إليها بأرجلنا في كلّ مرّة لم يمنعنا فساد مسؤولينا عن إعادة تفويضهم مرّة تلو الأخرى، عبر صناديق الاقتراع، إغراقنا أكثر فأكثر في "زبالة" سياساتهم؟ ما الذي ننتظره حتّى نتحرّك لمرّة واحدة للمطالبة بحقوقنا بعيداً عن الاصطفافات السياسيّة؟
ما يجري اليوم، يجعلنا نتأسّف لكون نظامنا تعدّدياً، فيا ليت بشار الأسد أو حسني مبارك أو عمر القذافي أو زين العابدين بن علي هم من حكّامنا، حتّى نثور عليهم، وليستشهد منّا من يستشهد، ولتُعد لنا دماؤنا حقوقنا المهدورة، بعدما أوشكنا على فقدان القليل القليل الذي تبقّى من ماء وجوهنا...
(ريما أبو خليل)