لأنه لم يشبع بعد نهشاً وتنكيلاً ببنية الوطن، من رأس الجمهورية إلى مختلف أنحاء جسدها المؤسساتي، مُمعناً بخنق كل شرايين الدولة الحيوية والحياتية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والبيئية والصحية، يكاد يبلغ التعطيل في جشعه ونهمه مستويات متمادية تتهدد حتى «لقمة» أبناء المؤسسة العسكرية تحت وطأة الحصار الذي يفرضه قطّاع الطرق الآيلة إلى انتظام العمل الحكومي ممن يبتزّون اللبنانيين في رواتبهم ولقمة عيشهم طمعاً بصفقات ومقايضات مأمولة تضع المصالح الوطنية العليا في أسفل سلّم الأولويات والطموحات السياسية والشخصية. فقد حذرت مصادر وزير المالية علي حسن خليل عبر «المستقبل» من أنه في حال عدم مسارعة الحكومة إلى إقرار نقل الاعتمادات المالية اللازمة لمجموعة من الوزارات بما فيها وزارة الدفاع، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤدي إلى الحؤول دون تمكين الوزارة من دفع الأموال المخصصة «لتأمين الطعام للجيش» بحلول مطلع أيلول المقبل، وهو ما أكدت عليه مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية لـ«المستقبل» لافتةً إلى أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي أثار خلال لقائه أمس رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في السرايا الحكومية هذا الموضوع، من منطلق حرصهما المشترك على منع تمدد مخاطر التعطيل المؤسساتي إلى السلك العسكري.

وأوضحت مصادر وزير المالية لـ«المستقبل» أنه كان قد خصّص زيارته إلى السرايا أمس الأول لإطلاع رئيس الحكومة على أجندة الاستحقاقات المالية الراهنة والداهمة على الوزارة، مشيرةً إلى أنّ خليل حمل إلى سلام «ورقة تفصيلية» بهذه الاستحقاقات تفنّد بالأرقام الجداول المالية المستحقة عشية دعوته مجلس الوزراء إلى الانعقاد الخميس المقبل. 

وفي معرض تنبيهها إلى كون الأمور المالية للدولة «لم تعد تحتمل مزيداً من التسويف»، شددت المصادر على أنّ «وزير المالية مضطر إلى نيل إجازة الحكومة قبل نهاية الشهر في سبيل إصدار سندات اليوروبوند وتأمين نقل اعتمادات بقيمة 35 مليار ليرة لدفع الرواتب والأموال الخاصة بمجموعة من الوزارات والإدارات بما يشمل رئاسة الحكومة»، لافتةً الانتباه إلى كون «هذا المبلغ الواجب نقل اعتماداته يتعلق بعدد من الوزارات الحيوية، من بينها وزارتا الطاقة والمياه، والتربية والتعليم»، وحذرت في المقابل من أنّ تعذر نقل الاعتمادات قبل نهاية آب سوف يرتّب، بالإضافة إلى المخاطر المتصلة بانتظام العمل المؤسساتي، «كسراً» مالياً إضافياً على صعيد مدفوعات الرواتب المستحقة، بعد أن تتسع دائرتها لتشمل وزارات أخرى، يبلغ 145 ملياراً».

.. وانتفاضة نقابية

وفي الموازاة، برزت أمس ملامح ما يشبه انتفاضة نقابية ضد التعطيل أطلق خلالها المجتمعون من نقابات المهن الحرة والمحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة والمحررين والصحافيين والمحاسبة والمعماريين والمقاولين صرخة وجع وطنية مشتركة في وجه المعنيين تحت شعار «معاً لوقف الانهيار» (ص 14) رفضاً للمخاطر المتعاظمة اقتصادياً واجتماعياً وحياتياً في ظل استمرار الفراغ الرئاسي والتعطيل الممنهج للمؤسسات.

وفي ختام اللقاء الذي تخللته كلمات شددت في مجملها على وجوب الإسراع في منع «الانفجار» الاجتماعي في البلد، تلا نقيب المحامين في بيروت جورج جريج التوصيات الصادرة عن المجتمعين والتي خلصت إلى اتخاذ النقابات المهنية قرار «الشروع، بالاتفاق مع الهيئات الاقتصادية والاتحادات العمالية وكل قوى المجتمع المدني، بحركة اتصالات شاملة وتحركات واسعة على كل الأراضي اللبنانية لرفع الصوت عالياً وإطلاق تحرك لن يتوقف قبل إعادة وضع الأمور في نصابها الصحيح»، مع توجيه «دعوة إلى المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على تحييده سياسياً وعدم ربطه بالصراعات القائمة».