أراد أن يضيء الطريق لسكان منطقته، فإذا بشمعته تنطفئ، بعد أن صعقه التيار ولم يتحمل قلبه الصدمة فتوقف نبضه، وتدلّت جثته بلا روح على العمود، في يوم أسود مشؤوم وقع خبر وفاته على عائلته كالصاعقة. إنه فادي دياب، موظف شركة "BUS" للكهرباء، الذي ركب عن طريق الخطأ "bus" الرحلات إلى العالم الغامض!
شبح الموت كان في انتظار دياب نهار الثلاثاء الماضي، فابن سير الضنية تلقى اتصالاً لإصلاح عطل، فتوجّه الى المكان ولم يعد إلى منزله. عن ذلك تقول زوجته رانيا (29 سنة) ان "آخر مكالمة تلقاها فادي كانت من شركة الكهرباء، عند الساعة الثالثة والربع تقريباً، فخرج وما زلت انتظر أن يكون خبر وفاته حلماً أستيقظ منه وابتسم".
خارج دوام عمله!
لم يكن لفادي (40 سنة) دوام عمل ثابت بحسب زوجته، التي تابعت بصوت يعتصر ألماً "نعم كان ينهي دوامه الرسمي عند الساعة الثالثة بعد الظهر، لكن كان عليه ان يكون حاضراً في أيّ ساعة لإصلاح أي عطل يطلب منه". وهذا ما أكّده مدير عام الشركة (التي هي احد مقدّمي خدمات التوزيع لصالح شركة كهرباء لبنان في المنطقة الممتدة من المتن الشمالي حتى عكار) فادي ابو جودة قائلاً: "نعم لا داوم محدّدًا، فقد نعمل حتى منتصف الليل لإصلاح الأعطال، لكن فيما يتعلق بتلك الحادثة، فلم يكن هناك امر عمل لفادي وذهب بسيارته الخاصة".
خارج إطار عمله
وعن الحادثة شرحت رانيا "بحسب ما تم اخباري انه حين صعد الى العمود كانت الكهرباء مقطوعة عنه، لكن تم وصل التيار عن طريق الخطأ أو من دون أن يعلم من قام بذلك بوجود فادي". الا ان لأبي جوده حديثاً آخر "كما يبدو من الصورة فإن دياب كان يعمل على اصلاح لمبة تابعة للبلدية، ونحن غير معنيين بشبكة الانارة العامة". واستطرد "اذا كان المصلح يعمل على لمبة البلدية فيجب ان يكون التيار موصولاً".
مطلب ورجاء
قبل ان يعمل في مجال الكهرباء، كان دياب ميكانيكي سيارات يعمل مع والده، بحث عن وظيفة كي يُدخل عائلته في الضمان، "فـلم ينعم بها، بل رحل بعد سنتين من لم تفارق الضحكة وجهه، ومن أحبّه الجميع حتى إن سير الضنية اغلقت ابوابَ محلاّتها لحظة سماع خبر وفاته". وتابعت رانيا "اليوم أخشى أن يتم ايقاف الضمان عنا، كل ما أطلبه هو ان يستمرّ مع راتبه كي استطيع أن أربّي اولادي، لا سيما أني لا أحمل شهادة كي أعمل، فقد ارتبطت بفادي وانا في عمر الرابعة عشرة بعد قصة تعارف وحب أمام بوابة المدرسة".
وعن تعويض الزوج قال ابو جودة "ندرس هذا الأمر، عندما يتوفى شخص في حادث عمل يدفع التأمين ديّته، أما اذا توفي خارج العمل فإنه سيحصل بالتأكيد على تعويضه من الضمان. سنلتزم نحن بالقانون لكن سننظر كذلك إلى وضع العائلة كون دياب كان من أكفأ الفنيين وأكثرهم حماسة ووفاء وولاء".
وصايا غير مباشرة
رحل دياب تاركاً اربعة اولاد ثلاث فتيات وولد، أكبرهم ديانا 14 سنة، التي "كان يوصيها دائما ان تُنهي دراستها كي يفتخر بها، وعلي اثنتي عشرة سنة، ووصية والده له الانتباه لأمه وأخوته، أما جنى 10 سنوات فكان يعتبرها يده التي لا يستطيع الاستغناء عنها، كونها كانت تلبي مطلبه سريعًا في شراء ما يريد من الدكان المجاور، ولسيلين ابنة الخمس سنوات قصة اخرى مع والدٍ عشِقها إلى درجة انه كان يسرق اللحظات متى استطاع كي يراها ويلاعبها"، وفق الزوجة المفجوعة.
ماذا عن السلامة العامة؟
ما حصل مع فادي يطرح علامات استفهام حول السلامة العامة للعاملين في شركات الكهرباء، وعن ذلك أجاب ابو جودة بأن "العاملين لدينا مجهزون بجميع وسائل السلامة العامة، وهم مدرَّبون من قبل شركة كهرباء فرنسا كما يوجد شخصان من تلك الشركة يداومان لدينا للوقوف على هذا الأمر".
اذا كان اللبنانيون يعانون من انقطاع التيار الكهربائي، فإن عائلة دياب عانت من صدمة "مجيئه" التي ستترك أثراً لن يمحوه الزمن!