بقدر حرصه الدؤوب على استمرار آلية الشراكة والتوافق التي اختارها طواعيةً في إدارة مجلس الوزراء منذ يوم الشغور الرئاسي الأول، يجد رئيس الحكومة تمام سلام نفسه مؤتمناً وحريصاً بالقدر نفسه على منع انهيار الهيكل الوطني فوق رؤوس جميع اللبنانيين بعد تصدّع مختلف أعمدته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والصحية والبيئية تحت وطأة الضربات التعطيلية المتتالية والهزّات السياسية الارتدادية المتمادية في زعزعة أسس العمل المؤسساتي في الدولة. وعلى قاعدة الموازنة بين كفتيّ الحرص على التوافق ومنع الانهيار، تتجه الحكومة إلى حزم أمرها وتحمّل مسؤولياتها تجاه الناس والوطن في جلسة مفصلية فاصلة بين نهجي التعطيل والانتاج الأسبوع المقبل، يكون الاحتكام فيها إلى صوت التوافق أو «تصويت الضرورة»، وفق ما كشفت مصادر وزارية لـ«المستقبل» بالاستناد إلى خلاصة ما توصلت إليه المشاورات والاتصالات الجارية على أكثر من خط قيادي حول سبل إعادة تفعيل العمل الحكومي.

وأوضحت المصادر أنّ هذه المشاورات التي كانت قد أديرت محركاتها بفاعلية بين مختلف الأطراف المهتمة بإنقاذ المركب المؤسساتي، من اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط في باريس مروراً باللقاءات المكوكية التي قام بها موفد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور بين عين التينة والسرايا الحكومية، وصولاً إلى اجتماع رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل برئيس مجلس النواب نبيه بري أمس بالتزامن مع اجتماع أبو فاعور مع الرئيس ميشال سليمان، كلها أفضت إلى قناعة مشتركة بوجوب وقف مسلسل الانهيار الدراماتيكي والمسارعة إلى التصدي للملفات الحيوية العالقة والقضايا الوطنية الملّحة التي لم تعد تحتمل لا التأجيل ولا التعطيل. 

ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنّ رئيس الحكومة بصدد توجيه دعوة غداً إلى مجلس الوزراء للانعقاد الخميس المقبل وفق «جدول أعمال معدّل بعد إضافة بنود عدة على الجدول الموزع سابقاً تشمل ملفات الرواتب والنفايات والهبات والقروض بالإضافة إلى موضوع الدعوى التحكيمية بين عبد الجاعوني وشركة أمبريال والدولة اللبنانية، باعتبارها ملفات وقضايا ضرورية وملحّة تتصدّر أولويات جدول مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها»، لافتةً إلى أنّ «رئيس الحكومة سيجدد التأكيد خلال الجلسة المقبلة على استمرار حرصه على تسيير عمل المؤسسة التنفيذية وفق الصيغة التوافقية المتبعة في غياب رئيس الجمهورية وسيبقي من هذا المنطلق الأبواب مشرعة أمام التوافق على قرارات مجلس الوزراء، إلا أنه سيلفت الانتباه في الوقت عينه إلى كون القضايا والاستحقاقات المالية وغير المالية الراهنة والداهمة لم تعد تحتمل مزيداً من التأجيل لأي سبب كان، تأميناً للمصلحة الوطنية العليا ولمصالح المواطنين العالقة». 

وفي هذا الإطار، توقعت المصادر أن يُصار الخميس إلى «طرح القضايا ذات الأولوية المدرجة على جدول الأعمال على بساط البحث والمناقشة سعياً إلى إقرارها بالتوافق»، مرجحةً في حال تعذر ذلك أن يكون اللجوء إلى التصويت «آخر الدواء» بما يتماشى مع النص الدستوري والنصاب اللازم الذي يلحظه في إقرار مثل هذه القضايا الضرورية.

الجميل

وكان الجميل قد دعا من عين التينة أمس إلى إعلان «حالة الطوارئ» في مقابل تفاقم المشكلات في البلد من مسألة رواتب موظفي الدولة إلى الأزمات المالية والبيئية والصحية، وقال: «جئنا اليوم لنضع أنفسنا وبعض الأفكار بتصرّف الرئيس بري (...) يجب أن يتوقف هذا التخلي عن المسؤوليات عند الجميع والمطلوب الانطلاق من مكان معين ولهذا السبب نحن نقوم بآخر المبادرات قبل انهيار الهيكل على الجميع»، مضيفاً: «وصلت المعاناة إلى مستوى لم يعد يُحتمل وحان الوقت لننزل من عليائنا ونتحمل مسؤولياتنا حيال التاريخ والناس»، وسط تحذيره من أنّ الوضع «خطير للغاية والاقتصاد عندما ينهار لن يوفر أحداً، ولن يوفر طائفة أو حزباً أو زعيماً أو أي شخص».

سليمان وأبو فاعور

وبُعيد تشديده خلال ترؤس اجتماع «اللجان التحضيرية للقاء الجمهورية» على «ضرورة التعاون بين جميع القوى بعيداً عن الكيديات للحد من الأخطار ولإنتاج الحلول وترجمتها في مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن»، استقبل الرئيس ميشال سليمان وزير الصحة وائل أبو فاعور واستعرض معه «أهمية التنسيق للحؤول دون التعطيل الشامل»، وهو ما أكد عليه أبو فاعور مشدداً بعد اللقاء على كون «الأمور لم تعد تحتمل المراوحة» وقال: «تجاوزنا الخط الأحمر وبتنا في دائرة الخطر على كل الصعد، لذلك آن الأوان لحسم ما، وأعتقد أنّ رئيس الحكومة يتجه إلى هكذا أمر»، مضيفاً: «بات من المستحيل أن نستمر في الوضع الحالي من التعطيل والمراوحة فإما هناك حكومة أو لا».

وعما إذا كان الاتجاه نحو عقد جلسات حكومية بالاستناد إلى النصاب القانوني، أجاب: «إذا كان لدى الرئيس سلام هذا التوجه، ونتمنى أن يكون لديه، فهو سيلاقي كل الدعم من قبل النائب وليد جنبلاط، لأنّ حال الشلل لم يعد سياسياً ومؤسساتياً فحسب، بل أصبح يطاول حياة اللبنانيين».