لم يعد الكلام عن كارثة صحية وبيئية تتهدد لبنان مجرد تحذيرات مضخمة كما يتراءى للبعض، إذ أن ما جرى تداوله من معطيات وحقائق ووقائع في اجتماع لجنة الصحة النيابية امس، وفق تقارير المعنيين بكارثة النفايات يثبت ان هذا الخطر بات فعلا في قلب الدار. واستطرادا فان الاسبوع المقبل سيكون بمثابة الفرصة الاخيرة لبدء قلب الصفحة القاتمة قبل الانزلاق الى الاسوأ في تداعيات هذه الازمة انطلاقا من محطتين بل استحقاقين متعاقبين: الاول فض عروض الشركات المتقدمة الى مناقصات النفايات في شكل حاسم ونهائي هذه المرة، في الموعد الذي التزمه وزير البيئة محمد المشنوق اول من امس أي الثلثاء المقبل. والثاني انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي سيدعو اليها رئيس الوزراء تمام سلام الخميس المقبل وفق جدول أعمال يتضمن الملفات الاكثر الحاحا بدءا بتطورات أزمة النفايات ونتائج المناقصات التي يفترض صدورها قبل يومين من موعد الجلسة مرورا بملف ساخن طارئ جديد هو توفير الغطاء لصرف رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام بدءا من شهر ايلول المقبل، ناهيك بملفات عالقة من جلسات سابقة ذات طابع ملح ايضا.
واعترفت مصادر وزارية مواكبة للاتصالات الجارية لـ"النهار" بأن المشهد السياسي لا يزال مثيرا للصدمة والخيبة من بعض المواقف التي لم تتزحزح بعد عن تقديم ترف الشروط السياسية التي من شأنها اطالة تعطيل عمل الحكومة على الاخطار المتصاعدة للأزمات الاجتماعية والخدماتية والاقتصادية، كأن هذه الازمات تحولت رهينة فعلية لملهاة فرض الشروط والتعنت حيالها، من دون أخذ كل ما تعانيه البلاد في الاعتبار . وأشارت في هذا السياق الى ان ما يزيد المشهد قتامة، الفراغ السائد ساحة الوساطات والمساعي للتوصل الى تسوية الحد الادنى المفروض بتحييد أزمات المواطنين عن الصراع السياسي، الامر الذي لن يقف امامه رئيس الوزراء موقفا متفرجا على ما فهم منه زوار السرايا. وعلمت "النهار" ان الرئيس سلام يلقى تشجيعا واضحا من كل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط في اتجاهه الى الدعوة الى الجلسة وطرح جدول الاعمال. وأفادت المصادر أنه يعتزم طرح جدول الاعمال على الجلسة وطلب مناقشتها بندا بندا وهذا سيضع جميع المكونات الحكومية امام مسؤولياتها في مواجهة استمرار التعطيل او الافراج عن الحلول العاجلة للقضايا التي لم تعد تحتمل مزيدا من الانتظار منذرة بمزيد من التدهور على مختلف المستويات.
لجنة الصحة
في غضون ذلك، لم يكن اجتماع لجنة الصحة النيابية الذي شارك فيه ثلاثة وزراء معنيين أمس، مطمئنا في معطياته سواء لجهة المخاطر الصحية التي بات لبنان في دائرتها، أو لجهة الظروف الحكومية المؤاتية لعبور لبنان المرحلة الانتقالية التي من شأنها تهيئة الظروف لتسلّم الشركات مسؤولياتها بعد فض عروضها الثلثاء المقبل. وفي هذا الاطار صرّح رئيس اللجنة النائب عاطف مجدلاني لـ"النهار" بأن آلاف المكبات العشوائية التي انتشرت في لبنان "تتسبب بأخطار صحية فادحة ومنها حالات اسهال حادة لم تكن معروفة سابقا في لبنان من حيث النسب المرتفعة حاليا والتي يعزوها الاطباء المختصون الى فيروس لكن يجهلون معطياته". وأضاف: "إن الحل الموقت هو تنفيذ المخطط التوجيهي الذي أقرته الحكومة سابقا ويتعلّق بمطامر صحية، لكن جواب وزراء البيئة والصحة والشؤون الادارية الذين شاركوا في الاجتماع يفيد أن الامر مرتبط بالإجماع السياسي الذي هو غير متوافر حاليا".
وعرض وزير الصحة وائل ابو فاعور تقريرا تضمن خريطة شاملة لكل المناطق وطريقة تعاملها مع أزمة النفايات، مجددا تحذيره من كارثة صحية وبيئية. وقال إن انتشار نحو الفي مكب عشوائي وعمليات الحرق العشوائية للنفايات والعلاجات البدائية تضاعف الاخطار.
الاتصالات
على صعيد آخر، سجل تطور لافت امس في وزارة الاتصالات مع خطوة أقدم عليها وزير الاتصالات بطرس حرب حسم فيها خلافه مع الدكتور عماد حب الله موجها اليه طلبا رسميا "بالكف الفوري" عن القيام بأي عمل في ادارة الهيئة المنظمة للاتصالات في ظل استمرار الاخير في هذه الاعمال "بعد انتهاء مدة ولاية الرئيس والاعضاء المعينين فيها منذ عام 2012 والتصرف باعتمادات عامة خلافا للرأي الاستشاري الصادر عن ديوان المحاسبة واختصاره الهيئة بشخصه". وعلمت "النهار" ان حرب يتجه في الايام المقبلة الى طلب فتح تحقيق شامل في عمل الهيئة خلال فترة رئاسة حب الله لها.
تثبيت باسيل
بعيدا من هذه الملفات، بدا امس ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح "النائب العماد ميشال عون قد حسم نهائيا كل اللبس الذي أثير حول خلافته في رئاسة "التيار الوطني الحر" والذي رافق معركة جدية داخل التيار كادت تنذر بانقسام حاد فيه، وذلك لمصلحة تثبيت وزير الخارجية صهر العماد عون جبران باسيل، وانسحاب النائب آلان عون ابن شقيقة الجنرال. واذا كانت التسوية قد حصلت مساء اول من امس بنجاح مسعى النائب ابرهيم كنعان كما كانت اوردت "النهار"، فان الاجتماع الموسع الذي عقده العماد عون لأركان التيار ونوابه وكوادره في الرابية أدى عمليا الى تكريس رئاسة باسيل للتيار ضمن تسوية تتضمن ايضا تعيين العماد عون نائبين للرئيس وتعديل النظام الداخلي وسواها من البنود. وخاطب عون المجتمعين قائلا: "أنا الضمان لكم، ولكن أتمنى ان تصبحوا ضمان بعضكم البعض في المستقبل". واسترعى الانتباه في بيان أصدره النائب آلان عون بعد الاجتماع معلنا عزوفه عن الترشح لرئاسة التيار اشارته الى ان "مسار الامور منذ انطلاق الحملة الانتخابية (في التيار) انحرف عن الاهداف المرجوة وأظهر عدم نضج الظروف الملائمة لحماية العملية الانتخابية الحزبية الديموقراطية وينذر بانقسام يشكل خطرا على وحدة التيار في المرحلة التي ستلي الانتخابات"، مؤكدا ان خطوته جاءت نزولا عند رغبة العماد عون "وانطلاقا من ثقتي المستمرة بشخصه".