لم تكن الصدامات التي حصلت عصر أمس وامتدت حتى ساعات المساء بين الناشطين المتظاهرين احتجاجاً على تمادي أزمة النفايات والقوى الأمنية سوى نتيجة بديهية لاشتداد الغضب الشعبي العارم الذي مثلته بحق مجموعات الناشطين المتظاهرين من حركة "طلعت ريحتكم" حيال القصور الرسمي المذهل في حل هذه الكارثة التي دخلت شهرها الثاني. لم يكن الصدام بين المتظاهرين والقوى الأمنية، الذي شكل نموذجاً لاشعال اضرابات اجتماعية - أمنية، سوى نتاج المفاجأة السلبية الجديدة التي أسفرت عنها جلسة فض العروض لمناقصات النفايات، والتي تكرر معها المشهد الغامض الذي يغرق اللبنانيين في الشكوك المتصاعدة في الاسباب الحقيقية لتعثر هذه المناقصات والتي تطفو على سطحها ملامح التسابق على اقتسام "كعكة" المغانم الموعودة منها ولو غلف الامر بمبررات متنوعة. وحتى لو جرى بت المناقصات واعلان نتائجها امس، فان جهات مطلعة قالت لـ"النهار" إن لا مهرب من حل موقت عاجل للتخلص من اطنان النفايات المنتشرة في كل المناطق لان طريق تنفيذ المناقصات سيستلزم وقتاً غير قصير، فيما الكارثة البيئية والصحية تدق كل الأبواب وتفرض حلاً حاسماً سريعاً. ولفتت الى انه يتعين على الحكومة اتخاذ قرار حاسم باعتماد المطامر التي حددتها وزارة البيئة في المناطق وتكليف القوى الامنية والعسكرية تأمين تنفيذ هذا الحل شرط ان تعتمد عدالة توزيع المطامر ومواصفاتها غير المؤثرة على المياه الجوفية أقلّه الى حين توفير البدائل البعيدة المدى من طريق المناقصات.
أما ما حصل أمس، فكان صاعقه المفجّر اعلان وزير البيئة محمد المشنوق تأجيل فض العروض عقب جلسة اللجنة المكلفة درس العروض في مجلس الانماء والاعمار، التي انعقدت وسط تغطية اعلامية غير مسبوقة في تاريخ المناقصات نظراً الى اشتداد حمى أزمة النفايات مع دخولها شهرها الثاني. وإذ برزت ملامح الجو العاصف مع مغادرة اثنين من العارضين هما رياض الاسعد وجهاد العرب الجلسة قبل ارفضاضها، أوضح وزير البيئة محمد المشنوق لـ"النهار" أن سبب تأجيل فض العروض الى الثلثاء المقبل هو "ملاحظة تلقتها اللجنة الوزارية في شأن خضوع عروض لدراسة ثلاثة إستشاريين، فيما تخضع عروض اخرى لإستشاري واحد، مما اقتضى اعتماد المساواة تفادياً للتشكيك لاحقاً". وعزا هذا التمييز الى أن العروض الثلاثة التي قدمت حول بيروت إستدعت توجيه جهود الاستشاريين اليها لإنجازها في الوقت المحدد على حساب سائر المناطق. لكنه اتخذ القرار بإخضاع كل المناطق للمساواة فأعيدت العروض المعنية الى الاستشاريين الذين كانوا أمس لا يزالون في بيروت، وطلب من الذين غادروا لبنان أن يعودوا اليوم لمباشرة العمل الذي سينجز في صورة مؤكدة الثلثاء المقبل.
وعلمت "النهار" أن عضو اللجنة الوزارية وزير المال علي حسن خليل هو من أثار في الاجتماع أمس مسألة التفاوت في دراسة الاستشاريين للعروض، فتمّت الاستجابة لملاحظته، لكن الوزير خليل طالب بنقل كل العروض الى اللجنة فلم يلق طلبه إستجابة.

الصدام
وفيما كانت جلسة المناقصات تصطدم بهذه النتيجة السلبية، كانت ساحة رياض الصلح على موعد مع صدام تدرجت حماوته في شكل غير متوقّع لدى اصرار المتظاهرين على نزع الأسلاك الشائكة التي وضعتها القوى الأمنية منعاً لتجاوز خطوط حماية السرايا الحكومية، ثم تطور الأمر الى مواجهات بعد استعمال القوى الامنية خراطيم المياه لردع المتظاهرين عن اختراق صفوفها. واشتعل غضب المتظاهرين لدى توقيف القوى الامنية أربعة ناشطين وتطور الامر الى تضارب حاد واستعمال عناصر الفهود العصي، مما أدى الى اصابة متظاهر بجروح. واطلق الموقوفون مساء بعد ارفضاض التظاهرة.

 

سلام والكتائب
أما على الصعيد الحكومي، فتحرّك وزراء الكتائب الثلاثة سجعان قزي ورمزي جريج وآلان حكيم فور اعلان تأجيل فض العروض للقاء رئيس الوزراء تمّام سلام لإستيضاحه الامر ورفض مسار معالجة موضوع النفايات حتى الآن، مما أدى الى تأجيل بتّه ثلاث مرات. وعلمت "النهار" ان رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، لدى ترؤسه اجتماعاً لوزراء الحزب ونوابه، تبلّغ نبأ تأجيل فض العروض مجدداً مما استدعى تحرك وزراء الحزب الى السرايا. وخلال اللقاء مع رئيس الحكومة طالب وزراء الكتائب بإنعقاد مجلس الوزراء ليضع يده على الملف فوراً، فأبدى الرئيس سلام تفهماً، لكنّه تخوّف من تعقّد ملف النفايات أكثر بدل حلحلته الثلثاء المقبل.
ومن جهة أخرى، شدد الرئيس سلام على أن مجلس الوزراء لن يكون في إجازة وأكد صموده في موقفه لجهة قيام المجلس بدوره وفق الدستور والقوانين المرعية الاجراء. ومن المرجّح أن توجّه الدعوة الى المجلس في نهاية الاسبوع مرفقة بجدول أعمال، على أن تكون هناك فرصة أمام من يعطل الجلسات لكي يكون جزءاً من الاجماع على القرارات الايجابية التي ستصدرها الحكومة.

جعجع
وفي الشأن السياسي، اعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في حديث الى تلفزيون "المستقبل"، ان "موضوع الرئاسة سيأتي كسلة متكاملة على مستوى المنطقة، وان ايران لا تريد رئيساً للجمهورية حتى إشعار آخر، ونحن لا نقبل برئيس لايران". وقال: ان "العامل الحاسم في الانتخابات الرئاسية هو "حزب الله" وايران وهم يريدون رئيساً لهم 100%، ونحن نرفض قطعاً رئيساً محسوباً عليهم". ولفت الى انه "عندما دفع "حزب الله" الى اسقاط حكومة الحريري فعل المستحيل ليأتي الرئيس ميقاتي رئيساً للحكومة في حين لم يبذل أي جهد للمجيء بالعماد عون رئيساً للجمهورية".
ورأى انه "لو ان عون فك تحالفه مع "حزب الله" فسيتحوّل أقلية بسيطة في المجلس النيابي، لذلك يصرّ "حزب الله" على تحالفه مع عون". وأوضح ان "حزب الله" قام بـ"ثورة" في 7 أيار لأجل العميد شقير، في حين انه لم يحاول حتى إقناع أي كتلة نيابية بانتخاب العماد عون، فالمرشح الفعلي لـ"حزب الله" هو غير العماد عون وهو يترك ورقته الفعلية الى حين التسوية". وأضاف: "انا مستمر بترشيحي ولكني أعلنت استعدادي للبحث مع العماد عون في أي مخرج رئاسي خارجنا نحن الاثنين".

الأسير و"اعترافاته"
في سياق آخر، لم تغب عن الواجهة الامنية التحقيقات المتواصلة مع الشيخ أحمد الاسير الذي تسلّمته مديرية المخابرات في الجيش بناء على احالة قضائية من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر مع موقوفين اثنين من أنصاره للتوسع في التحقيقات معهم، علماً ان هذه التحقيقات ستشمل، الى ملف أحداث عبرا، ملف أحداث بحنين في عكار وملف أعمال ارهابية وتشكيل خلايا مسلحة. وأفادت معلومات ان الاسير يكثر في اعترافاته من سرد أسماء لأنصاره أو لأشخاص يزعم تعاملهم معه، الأمر الذي يفسر كثافة عمليات الدهم التي نفذها الامن العام أمس في منطقة الشرحبيل شمال شرق صيدا وفي القياعة وحي الوسطاني حيث عثر على أحزمة ناسفة. كما دهم منزل الفلسطيني فؤاد أ. ع. في صيدا القديمة، وهو من انصار الاسير المتوارين. وذكر ان عمليات الدهم تشمل أماكن يشتبه في تخبئة أسلحة ومتفجرات فيها، وأن الاسير تحدث عن مخططات لاغتيال شخصيات سياسية.