اذا كان توقيف أحمد الأسير وفّر ازاحة الانظار نسبياً عن الازمات المتصاعدة في ظل "العطب" الحكومي الذي أملى على رئيس الوزراء تمّام سلام "التريث" في دعوة مجلس الوزراء هذا الاسبوع، فإن ذلك لا يعني ان طريق التبريد السياسي باتت مسهلة ولا كذلك ان التداعيات الشديدة الخطورة للأزمات ولا سيما منها أزمة النفايات بلغت سبل الاحتواء.
في الانسداد السياسي أولاً يكشف حديث أجرته "النهار" أمس مع رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون أن "ستاتيكو" الأزمة السياسية لا يزال يراوح مكانه. فباستثناء اشارة مقتضبة للعماد عون الى "تداول" موضوع الاستجابة لدعوة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الى عقد جلسات تشريعية لمجلس النواب "والتوافق على صيغة ما"، لم يتبدّل أي أمر آخر في مواقف زعيم "التيار الوطني الحر" من الأزمة. وهو إذ رفض اتهام البعض إياه بأنه يتسبب بحراكه الاخير بتعطيل المؤسسات والحياة السياسية تمهيداً لمؤتمر تأسيسي قال: "أرفض هذا الاستنتاج مطلقاً، من يعطّل المؤسسات هو من لا يحترم الدستور والقوانين. أنا أحدّ من تعطيل القوانين والدستور لسبب اننا نفقد معالم الحكم". وشدد على "ان ما أريده هي حقوق المسيحيين الوطنية بالاضافة الى قدرتي على ممارستها. أنا لست خيال صحراء في الحكم لا أستشار في قضايا مهمة". ورد في شكل مسهب على وصف الرئيس سعد الحريري الكلام عن محاولة كسر العماد عون بأنه كذبة، فعاد الى ما قبل عودته الى لبنان "حين حاولوا مع الفرنسيين منع عودتي ثم حاصروني بعد العودة بالتفاهم الرباعي"، كما تحدث عن "محاولات تحجيمه" تباعاً وصولاً الى الظروف الحالية. غير انه أضاف: "أنا لا أريد تغيير الحكومة ولا إمكان لتأليف بديلة منها. الوضع الحالي تسمح بإصلاحه اجراءات معينة كي تكمل الحكومة وإذا اكملت عرجاء أمر أو اذا لم تكمل أمر آخر. سنكون موجودين ولا يتحدونا كي نستقيل اذا رفضنا هذه الممارسات". وختم: "نحن نتحرك وفق المضمون. الحركة تصاعدية وفي كل مرة أمر جديد". 

مجلس الوزراء
وفي غضون ذلك، علمت "النهار" من مصادر وزارية كانت أمس على اتصال مع الرئيس سلام أن الوضع الحكومي دخل مرحلة "عض الأصابع" نتيجة انعدام الاتفاق على مقاربة عمل مجلس الوزراء من زاوية بتّ القضايا الملحة ولا سيما منها أزمة النفايات وموضوع الرواتب في القطاع العام. وقالت إن الرئيس سلام يسعى الى أن يتفهم معرقلو عمل مجلس الوزراء أهمية إنهاء هذه العرقلة التي تنذر بمخاطر على المستوى العام. ولفتت الى أن هذا الاسبوع الذي لن يشهد عقد جلسة للحكومة لا يعني أنه يمهد لأسبوع آخر أفضل حكومياً، والسبب هو أن الغموض لا يزال سيد الموقف. ولاحظت ان خيار تسيير عمل مجلس الوزراء بثلثيّ أعضائه مطروح لكن دونه عقبات، خصوصاً أن المجال الوحيد المتاح أمام "حزب الله" للتعبير عن تضامنه مع حليفه "التيار الوطني الحرّ" هو مساندته في موضوع آلية عمل الحكومة بعدما ابتعد الحزب عن التيار في التعيينات وتحرك الشارع. في المقابل، يرفض الرئيس سلام العودة الى جلسات حكومية حوارية غير منتجة للقرارات والحلول وخصوصاً ما يتعلق بملفات النفايات والرواتب والقروض والهبات التي باتت وحدها مصدر تمويل المشاريع الانمائية.

 

التحذير الجنبلاطي
وفي حين أكد وزير الصحة وائل ابو فاعور عقب عودته ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط من فرنسا ان جنبلاط والرئيس سعد الحريري تفاهما على "عدم امكان الاستمرار في هذه الدوامة وان اعتبارات المواطن تتقدم على الاعتبارات السياسية"، برز التحذير الذي أطلقه جنبلاط من "تغاضي كل القوى السياسية عن الاخطار الاقتصادية المتنامية وتفاقم المؤشرات السلبية ونمو الدين العام والعجز في الخزينة بما يهدد كل مرتكزات الامن الاجتماعي الذي لا يقل اهمية عن الاستقرار الامني والسياسي". ورسم جنبلاط لوحة شديدة القتامة للمؤشرات الاقتصادية، داعياً الحكومة الى ان تتحول "خلية أزمة تتجاوز من خلالها عقد التعطيل المصطنعة وتجعلها تنكب على معالجة اكثر الملفات خطورة وتعقيداً".

كارثة صحية
وفي موازاة ذلك، دقّ أبو فاعور جرس الانذار من "كارثة صحية كبرى" تحدق بلبنان جراء أزمة النفايات، قائلاً إن "الوزراء وأنا واحد منهم كما القيادات والمرجعيات السياسية يعرفون اننا على مشارف كارثة صحية كبرى وأحذر من هذا الواقع الذي أضعه برسم جميع المسؤولين من دون تحميل أحد مسؤوليات". وأسف في الوقت نفسه "لكون خيارات الحلول موصدة إذ ان الصراحة مع المواطن تقتضي قول ذلك". وحذّر من أن "كل شيء بات مهدداً الآن الهواء والمياه والغذاء وتالياً صحة اللبنانيين مهددة". ودعا الى تشكيل لجنة طوارئ من وزارات الصحة والبيئة والاقتصاد والصناعة والداخلية "من أجل التعامل مع هذا الخطر الداهم"، مضيفاً: "اذا لم نكن قادرين على ان نكون دولة كاملة فلنكن نصف دولة لتخفيف الاخطار".

التحقيق مع الأسير
أما في ملف توقيف أحمد الأسير، فتواصلت أمس التحقيقات الاولية معه بعدما أكد النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود ثبوت نتائج فحوص الحمض الريبي النووي التي أجريت على عينات رفعت من الاسير وتطابقت مع عينات رفعت من والديه. ونقل الاسير أمس للتحقيق معه لدى مديرية المخابرات في الجيش للتوسع في التحقيق تمهيداً لاحالته على المحكمة العسكرية الدائمة لمحاكمته في ملف أحداث عبرا. وأفادت المعلومات ان ثلاثة أشخاص أوقفوا في ضوء إفادة الشيخ السلفي الموقوف وهم على صلة بحادث حنين في عكار الذي استهدف عناصر من الجيش في مكمن مسلح وسيكون هذا الملف، كما أوضحت مصادر قضائية لـ"النهار"، على حدة لعدم علاقته بملف عبرا، بالاضافة الى ملف ثالث يتصل بتشكيل مجموعات سرية. وأوقف الامن العام في صيدا حسام خضر وهو من أتباع الأسير وأحد جيرانه. وتفقد المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم أمس مكتب شؤون المعلومات في المديرية واطلع على سير التحقيقات مع الاسير، ثم جال على أقسام الامن العام في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي مهنئا الضباط والعسكريين بالانجاز الأمني الذي تحقق بتوقيف الأسير.