قضية أحمد الأسير ليست الأولى وليست الأخيرة بالتأكيد ، لأنها نتيجة أسباب وظروف ما زالت موجودة في العالم الإسلامي ، وهي من التفتقات الطبيعية لثقافة المذهبية الناتجة من نصوص دينية مقدسة برأي أصحابها ، وبالتالي فإنّ قضية وظاهرة أحمد الاسير لا تختصر بشخص ولا تنتهي بإعتقاله ، بل هي قضية فكر ديني مشوّه لا يُنتج إلا إرهاباً وقتلاً ونفياً للآخر، أنتج في الماضي أمثال أحمد الأسير وسوف ينتج آلافاً مثله على الساحات الإسلامية كافة وفي كل المذاهب أيضاً ، ما دام هذا الفكر الديني بين أيدٍ غير أمينة وغير صادقة وتستعمله لأغراضٍ سلطوية .
من أهم الأسباب التي يعاني منها الإجتماع الإسلامي ، والتي تُنتج هكذا ظواهر عنفية يقودها الحقد وتدفعها الكراهية الى إرتكابات فظيعة بحق الإنسان والأرض والعرض ، هو الاستبداد السياسي المغطى بإستبداد ديني يقوده رجال دين سلطويين ، دأبوا على التقرّب من السلطة من أجل مصالح خاصة ، وما كان هذا الاستبداد السياسي الظالم ليعيش في مجتمعاتنا لولا هذا الإستبداد الديني الذي يُحسّن له كلَّ إرتكاباته المنحرفة ، بالإضافة إلى فهم خاطئ للنصوص الدينية ، هذا الفهم الذي أنتج ديناً لا يمت لله بصلة .
إذن فإنّ الإستبداد السياسي المدعوم بإستبداد ديني ، هما آفة العالم الإسلامي ، وما ينتج عنهما من عنف وإرهاب هو أمر طبيعي ، لأنهما لا يمكن أن ينتجا غير هذا النوع من الثقافة وبالتالي فإنّ الثقافة تنتج سلوكاً مشابهاً لها .
فعلاج ظاهرة الأسير والظواهر المشابهة لها ، تحتاج إلى علاج الجذور والأسباب والظروف المنتجة لها ، وهي رفض الاستبداد بشقيه السياسي والديني ، وإلا سوف يكون هناك ظواهر أخرى ولعلها أشد عنفاً من سابقاتها ، لأنّ طريقة القمع لا تجرّ إلاّ قمعاً مضاداً ، والتطرّف يُنتج تطرفاً مضاداً ، هكذا وبهذه الأسباب والظروف ، برزت ظاهرة الأسير وأمثالها ، فلا غرابة فيها ولا إستهجان لأنها نتائج تلك الظروف السياسية وتلك النصوص الدينية التي تشجع على العنف ، وليست سبب .
فالغرابة في الأسباب والغرابة أيضاً بمن يحاول علاج هذه الظواهر بغير دوائها ، فلا بد من تشخيص المرض بدقة ، كي نستطيع إعطاء الدواء الناجع والمفيد ، وهذه مسؤولية الصدق الواعي والحريص على مستقبل البلاد الإسلامية ، وعلى الإنسان وعلى الدين وعلى الأخلاق والقيم .