بعد 48 ساعة على توقيف الشيخ أحمد الأسير (47 عاماً) في مطار رفيق الحريري الدولي، وإحباط مخططه الرامي للإنتقال إلى نيجيريا عن طريق القاهرة، ووقوعه في قبضة الأمن العام اللبناني الذي سيحيله إلى المحكمة العسكرية، ريثما تنتهي التحقيقات التي تجريها شعبة المعلومات في الأمن العام، بإشراف المدير العام اللواء عباس إبراهيم، بقي هذا الملف في دائرة الاهتمام، سواء في ما خصّ تقصي المعلومات المتعلقة بهذا «الحدث الكبير»، أو النتائج التي ستترتب عليه سياسياً، وعلى صعيد قضية العسكريين المخطوفين وملاحقة سائر المطلوبين للعدالة، فضلاً عن ثبات الخطط الأمنية أو تعريضها للاهتزاز.
ويأتي توقيف الأسير بعد انقضاء ما يقرب من سنتين وشهرين على المواجهات التي وقعت بين الجيش اللبناني وأنصاره في 24 حزيران 2013 في منطقة عبرا شرقي صيدا، والتي تسبّبت باستشهاد 18 عسكرياً وضابطاً ومقتل 11 مسلحاً وسقوط عدد من الجرحى، وإزالة المنشآت التي أقامها الأسير وأنصاره في محيط مسجد «بلال بن رباح» في عبرا، لينهي مرحلة من الغموض والترقب والملاحقة والمتابعة امتدت منذ تاريخ هروبه، بعد معركة عبرا، والتجائه إلى مخيم عين الحلوة، الذي غادره طلباً للهرب خارج لبنان، فوقع في «مصيدة» الأمن العام في المطار بعد عملية متابعة دقيقة أشرف عليها مباشرة اللواء إبراهيم لحظة بلحظة ومحطة بمحطة، وتكللت بالنجاح، الأمر الذي أشاع أجواء من الارتياح والترحيب، عبّر عنها الرئيس سعد الحريري، عبر اتصاله بوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق واللواء إبراهيم، حيث أثنى على اليقظة التي أظهرها عناصر الأمن العام في المطار، وشدّد على أهمية الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية والعسكرية الشرعية لحماية الاستقرار وملاحقة الخارجين على القانون، وهو الأمر الذي يجب أن يكون محل رعاية القيادات اللبنانية كافة، والامتناع عن حماية المجرمين والعصابات المسلحة إلى أي جهة انتموا، فيما طالبت «هيئة العلماء المسلمين» بلجنة تحقيق مستقلة بأحداث عبرا، و«أجهزة الأمن اللبنانية القبض على المتهمين والمشتبه بهم في عمليات اغتيال وتفجيرات على شاكلة مصطفى بدر الدين ورفعت وعلي عيد»، و«بفريق طبي وقانوني يعاين وضع الأسير قبل وأثناء وبعد التحقيق معه»، محذرة من أن «كثرة الضغط يولّد الانفجار» و«الإعتدال لا يولد إلا من رحم العدالة».
وفيما تكتمت أوساط التحقيق عن الوقت الذي ستستغرقه هذه العملية «بالنظر إلى ما في جعبة الأسير من معلومات وما لديه من مخططات على إطلاع عليها أو متورّط فيها»، كشفت مصادر قضائية لـ«اللواء» أن ملف المحاكمات في أحداث عبرا سيتوقف بانتظار ضم أوراق الأسير إليه، باعتباره أبرز متهم موقوف فيه.
وكان القضاء قد طلب للأسير في العام الماضي و53 شخصاً آخرين تورطوا في المواجهات مع الجيش الإعدام.
وبانتظار جلاء المعطيات، في ضوء ما أدلى به الشيخ الموقوف من معلومات تبلغتها أجهزة التحقيق في الأمن العام، وبدأت على أساسها مرحلة جديدة من المداهمات والملاحقات، فإن الوسط السياسي الذي تابع باهتمام بالغ هذا التطور الأمني يستعد لاستئناف نشاطه ومعرفة ما بلغته وساطة إصدار مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، وإمكان الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، مع العلم أن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ضرب بعرض الحائط الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية التي يساهم فيها اللواء ابراهيم عبر اقتراح رفع سن التقاعد للعمداء ثلاث سنوات، مؤكداً «أن قرار النزول إلى الشارع اتخذه «التيار الوطني الحر» ولا عودة عنه».
وجاء هذا التصعيد العوني الجديد مستفيداً من الدعم غير المحدود الذي محضه إياه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في خطاب وادي الحجير، إلى حدّ التلويح بمشاركة العونيين في التحرّك في الشارع، على الرغم من أنه (أي نصر الله) تجاهل الإشارة إلى مطلب النائب ميشال عون بالتعيينات الأمنية، ولم يأت على ذكر التمديد أو تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي لمدة سنة، وهو القرار الذي اتخذه وزير الدفاع سمير مقبل ولم يعترض عليه «حزب الله»، أو ربما جرى تمريره بمعرفته.
وبالنسبة للوضع الحكومي لفتت مصادر وزارية لـ«اللواء» إلى أن أي موعد لجلسة عادية لمجلس الوزراء لم يُحدّد بعد، وأنه من المرتقب أن تتبلور صورة واضحة عن خطوة الدعوة إلى انعقاد المجلس هذا الأسبوع أو العدول عن توجيهها في اليومين المقبلين، مع العلم أن الأجواء غير مريحة.
وقالت المصادر أن تكرار السيناريو السابق لمجلس الوزراء أمر لا يرغب به لا رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ولا غالبية الوزراء، ولذلك فإن إعطاء مهلة إضافية لجعل المشهد السياسي أكثر هدوءاً قبل انعقاد الجلسة الحكومية قد يُشكّل خياراً لا مفرّ منه.
وتوقعت أن تشهد السراي الحكومية اليوم سلسلة لقاءات وزارية يعقدها الرئيس سلام لبحث الملف الحكومي، مذكّرة أن الرئيس سلام يرفض تحويل جلسات المجلس إلى جلسات «عقيمة»، لكنها لم تتحدث عن أي قرار سلبي سيلجأ إليه بفعل تفاقم الأوضاع.
توقيف الأسير
وكان توقيف الأسير الذي أضاف إلى إنجاز الأجهزة الأمنية اللبنانية إنجازاً نوعياً جديداً، على حدّ تعبير معظم القيادات اللبنانية، قد حظي باهتمام محلي وعلى مختلف المستويات، كما عربياً ودولياً لمعرفة ظروف التوقيف ووجهة هرب الأسير، وإن كانت محطته الأولى مصر ثم نيجيريا، فضلاً عن الخلايا المرتبطة به، لتفتح اعترافاته الأبواب على مصراعيها، لما في حوزته من «بنك معلومات» ستطال شخصيات كانت لها علاقات وعلى أكثر من مجال ومستويات متعددة في لبنان وخارجه.
وذكرت مصادر مطلعة أن الأسير كان يعدّ منذ مُـدّة لهروبه من لبنان، خاصة بعد انتقاله من منطقة الشمال إلى منطقة صيدا، حيث خضع لعمليات تجميل في وجهه على يد جرّاح سوري غير التي كان أجراها لدى فراره من عبرا، وجرى التقاط صور له أرسلت إلى أحد خبراء التزوير ويدعى «أبو يزن» المقدسي الذي أعدّ له وثيقة سفر فلسطينية مزورة باسم «رامي عبد الرحمن طالب» وبطاقة صادرة عن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين الفلسطينيين باسم رامز العباسي، ضمن مجموعة أوراق جرى تزويرها، واستحصل من خلالها عى تأشيرة سفر صحيحة إلى نيجيريا.
وانطلق الأسير قرابة التاسعة من صباح السبت من مخبئه السري في منطقة صيدا باتجاه مطار بيروت، بواسطة سيّارة أجرة مرسيدس بيضاء تحمل الرقم 254635ط جرى توقيف سائقها، وكان يرتدي ملابس مدنية حليق الذقن وبشارب كثيف بعدما أطلق شعره، وبعدما أنجز كافة مراحل السفر، واجتاز الفحص الروتيني عند مدخل المطار والحجوزات ولدى وصوله إلى دائرة ختم جوازات السفر لدى الأمن العام وهي المرحلة الأخيرة، قبل عبوره إلى السوق الحرة، وكان متتبعوه من الأمن العام اللبناني يلاحقونه، وحين تأكدوا من مطابقة ملامح وجه الشخص الحاصل للوثيقة المزوّرة، جرى توقيفه، ونقل إلى غرفة المعلومات في المقر المركزي للأمن العام حيث اعترف بهويته وهوية بعض الأسماء التي كانت تساعده، ومن ضمنها سائق المرسيدس البيضاء.
ونفى اللواء إبراهيم كل ما حكي عن علاقة لأجهزة أمنية خارجية في عملية القبض على الأسير، مؤكداً ان الأمن العام قام بالعملية لوحده، وأن لا علاقة لأي جهة فلسطينية أو سياسية بها، وأن إلقاء القبض عليه تمّ بفعل مراقبة حثيثة ومتابعة من قبل الأمن العام، وأنه كان معروفاً من قبل الجهاز بنيته السفر قبل وصوله إلى المطار.
وبحسب معلومات «اللــواء»، فإن الأسير كان موضع مراقبة منذ عودته إلى مخيم عين الحلوة، حيث تمّ رصد اتصال هاتفي مع «أبويزن» الذي قام بإنجاز وثيقة السفر المزوّرة، بعد ذلك بثلاثة أسابيع، وكانت آخر مكالمة بين الاثنين تمت مساء الجمعة، بكلمات مشفرة، أدى بعد تحليلها وتفكيكها إلى كشف تفاصيل المخطط وموعد السفر.
وفي ضوء اعترافات الأسير، شهدت مدينة صيدا ومناطقها، وأيضاً بالقرب من العاصمة بيروت (جدرا) عدّة مداهمات من قبل الأمن العام، وجرى توقيف عدد من الأسماء التي ذكرها الأسير، فيما تمكن أحدهم (عبد الرحمن الشامي) من الهرب. ومن بين الموقوفين أحمد عبد المجيد في عبرا.
وأخضع والدا الأسير هلال ومريم أمس، إلى فحص الحمض النووي لدى الأمن العام للتثبت علمياً وجينياً من أنه الأسير فعلاً وذلك بناء لطلب النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي أوضح ان هناك قراراً اتهامياً سبق ان صدر بحق الأسير عن قاضي التحقيق العسكري، ما يعني ان ملفه القضائي متكامل، ولا يحتاج إلى وقت طويل للمثول أمام المحكمة، لكن لا بدّ من اجراء تحقيق أولي وتأسيس محضر يكون مستنداً أساسياً للاستجواب الذي سيخضع إليه الأسير أمام المحكمة العسكرية في محاكمة علنية.
يُشار أخيراً، إلى ان الأسير أعد وصية في حال اعتقاله أو قتله، قام اتباعه بتعميمها بصوته على وسائل التواصل الاجتماعي، طالب فيها أهل السنة عامة وخاصة إخوانه المجاهدين في العراق والشام بنجدته ونصرته، لأن الوضع هنا (في لبنان) بات مأساوياً».