بعد نهاية أسبوع أمنية بامتياز انتهت معها «رحلة» تواري وفرار الشيخ أحمد الأسير بعد سنتين وشهرين من انطلاقها في حزيران 2013 بسقوط مباغت في قبضة الأجهزة الأمنية أثناء محاولته مغادرة البلاد متخفياً بجواز سفر فلسطيني مزوّر عبر مطار رفيق الحريري الدولي. وما أن أعلن نبأ توقيف الأسير أمس الأول السبت حتى توالت المواقف والمعلومات والصور المسرّبة عن الواقعة، في وقت عززت الأجهزة العسكرية والأمنية إجراءاتها الاحترازية في صيدا وجوارها لتلافي أي انعكاسات سلبية ربطاً بتوقيف المطلوب رقم واحد في أحداث عبرا، بينما واصلت المدينة دورة حياتها الاعتيادية من دون تسجيل أي خرق يعكّر صفوها باستثناء تحرك احتجاجي محدود نفذته زوجة الأسير أمل شمس الدين وعدد من زوجات مناصريه سرعان ما تم فضّه عند مستديرة «مكسر العبد». 

وإذ رجحت مصادر قضائية لـ»المستقبل» أن تتم إحالة الأسير غداً للمثول أمام المحكمة العسكرية بعد الانتهاء من التحقيقات الأولية الجارية لدى «معلومات» الأمن العام تحت إشراف مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود، برزت على صعيد المواقف السياسية المؤمنة بدولة القانون والمؤسسات اشادات بالإنجاز الأمني الذي تحقق على قاعدة أنّ العدالة تسمو فوق الجميع ويجب أن تشمل بسطوتها كافة «العصابات المسلحة كائنة من كانت وإلى أي جهة انتمت»، كما طالب الرئيس سعد الحريري في معرض إشادته باليقظة الأمنية ودعوته «القيادات كافة» إلى «الامتناع عن حماية المجرمين». 

وأوضح المكتب الإعلامي للحريري، أنه أجرى اتصالين بكل من وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، واطّلع منهما على وقائع توقيف الأسير أثناء محاولته الفرار عبر المطار.

وقد أثنى الرئيس الحريري للمناسبة على «اليقظة التي أظهرها عناصر الأمن العام في المطار، وتمكنهم من إحباط محاولة الفرار وإلقاء القبض على المطلوبين»، مشدداً على «أهمية الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية والعسكرية الشرعية لحماية الاستقرار الوطني وملاحقة الخارجين على العدالة والقانون، وهو الأمر الذي يجب أن يكون محل رعاية القيادات اللبنانية كافة، والامتناع عن حماية المجرمين والعصابات المسلحة، كائنة من كانت والى اي جهة انتمت».

بدوره، تساءل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعد الإشادة عبر «تويتر» بالإنجاز الذي حققته الأجهزة الأمنية، عن أسباب عدم قدرة هذه الأجهزة التي «تمكّنت من اعتقال الأسير بالرغم من تنكّره وكل الاحتياطات التي اتخذها» على توقيف «قتلة هاشم سلمان (أمام السفارة الإيرانية) وصبحي ونديم فخري (في بتدعي) وقطّاع الطرق وعصابات المخدرات والتشليح والخطف والتعدي في البقاع وهم معروفون تماماً ولم يتنكّروا يوماً» كما فعل الأسير.

«الرحلة الأخيرة»

وبانتظار اتضاح قرار المحكمة العسكرية ما إذا كانت بصدد فصل ملف الأسير عن ملف الموقوفين في أحداث عبرا أم إلحاقه به ربطاً بكونه المطلوب الأساس في المحاكمات الجارية في القضية والتي باتت في مراحلها النهائية، روت مصادر مطلعة لـ«المستقبل» وقائع متصلة بعملية توقيفه في المطار بينما أفادت معلومات موثوقة من صيدا «المستقبل» بعضاً من تفاصيل «الرحلة الأخيرة» التي قام بها الأسير قبيل توقيفه.

وبحسب المصادر والمعلومات، فإنّ الأسير كان قبيل توجّهه إلى المطار يقيم في منزل في منطقة سيروب إلى الجنوب الشرقي من مدينة صيدا عند تخوم مخيم عين الحلوة، يعود للمدعو «عبد ش.»، بحيث كان متوارياً لديه ويتنقل بين منزلين يعودان له في سيروب وجدرا. وصبيحة اليوم الذي أوقف فيه، استقلّ الأسير سيارة أجرة أقلّته من سيروب إلى ساحة النجمة في وسط صيدا، ومن هناك استقل «تاكسي» لوحده طالباً من السائق أن يقلّه إلى المطار، وكان متنكراً بالمظهر نفسه الذي أوقف به في المطار، وهي السيارة التي جرى تعميم مواصفاتها (من نوع مرسيدس بيضاء اللون رقمها 254635 /ط)، وأفيد أنه تم توقيف سائقها الذي تبين أنه لم يكن يعلم من هي الشخصية التي يقلّها.

وإلى المطار، وصل الأسير عند العاشرة والنصف قبل ظهر السبت الفائت حاملاً جواز سفر فلسطينياً مزوراً وكان في نيّته التوجّه إلى القاهرة ومنها «ترانزيت» إلى نيجيريا عبر الخطوط الجوية المصرية مستنداً في خطته إلى أن يساعده في الفرار تنكّره والتعديلات التي أجراها على ملامح وجهه وتسريحة شعره وشاربه، غير أنّ التعرّف إليه تم بناءً لصورة كانت الأجهزة الأمنية قد حصلت عليها من شخص في مخيم عين الحلوة كان هو نفسه قد زوّد الأسير بجواز السفر المزوّر ومن ثمّ قام بتزويد الأجهزة الرسمية بالصورة التي تظهر شكله الجديد بعد تغيير ملامحه. في حين تشير المعلومات إلى أن الأسير كان بصدد السفر إلى نيجيريا بمساعدة شخص مغترب موجود هناك تردّد أنه لبناني، من دون أن تتوافر أية معطيات إضافية حول هويته.

وعقب توقيف الأسير وبالاستناد إلى اعترافاته الأولية، شنّت الأجهزة الأمنية سلسلة عمليات دهم وتفتيش في صيدا وعدد من ضواحي المدينة حيث تمكنت من توقيف أحد مناصريه الفلسطيني «أحمد ع.» في أحد الأندية الرياضية في عبرا، كما داهمت قوة من الأمن العام محل تصليح أشمبانات في المدينة الصناعية في سينيق لمالكه «عبد ش.» بالإضافة إلى منزليه في سيروب وجدرا، وقد أفاد أحد أصحاب المحال المجاورة أنّ عبد كان قد أقفل محله وتوارى عن الأنظار منذ لحظة شيوع خبر توقيف الأسير.