بعد مرور مئات السنين عادت سوق النخاسة لتفتح أبوابها من جديد، نساء معروضات للبيع في سوريا و العراق، "النوعية" المتوافرة أيزيديات وأبناء الأقليات الدينية الأخرى، أما الأسعار" فمدروسة" وهي تختلف باختلاف الأعمار. قد لا يصدق العقل هذا الحديث في القرن الحادي والعشرين لكن الصور وأشرطة الفيديو المهربة لممارسات "التنظيم" لـ"تجارته" في السوق العظيمة، تثبت أن ما يحصل تخطى الخيال وهو واقع مرير في المناطق الخاضعة لـ الدولة_الاسلامية.
داعش يدعي انه يستند في فعله المشين إلى أسس شرعيةوآيات قرآنية، وقد دافع عن ايديولوجيته عبر مقالات نشرها في مجلته الإلكترونية "دابق" طارحاً تبريرات لاستعباد غير المسلمين بالقول إن "استعباد عائلات الكفار وأخذ نسائهم سبايا من بين الممارسات التي لا خلاف حولها في الشريعة الإسلامية"، ما يطرح السؤال عن الاسس والآيات القرآنية التي يدعي الاستناد إليها ليبرر همجيته العائدة الى ما قبل التاريخ؟ في تحقيق مطول نشرته صحيفة "النيويورك تايمس" جاء فيه انمقاتلي " الدولة الاسلامية" يعتدون على الفتيات بدءاً من سن الثانية عشرة ويغلّفون جرائمهم بالصلاة، لكن امين الفتوى في الشمال الشيخ محمد إمام أكد لـ"النهار" أنه لا يوجد آيات في القرآن الكريم تبرر ما يقوم به "التنظيم" وقال: "من الخطير ان يغلف الخطأ بغطاء من الشريعة والقرآن الكريم"، وهذا ما أكده الشيخ بلال الملا حيث لفت إلى أن"اتهام الاسلام بالسبي هو شتم له" مؤكداً ان كل الكتب السماوية تدعو للرحمة والمساواة.
عملية بيع السبايا مضبوطة فلا غش ولا احتكار، قائمة في الاسعار اصدرها التنظيم، الوثيقة المختومة بشعار "داعش" كشفت عن أن سعر المرأة الإيزيدية والمسيحية البالغة من العمر 30 إلى 40 سنة يصل إلى 75 ألف دينار، أما الأعمار من 20 إلى 30 فيبلغ 100 ألف دينار، ومن 10 أعوام إلى20 150 ألف دينار، أما الطفلة من عمر سنة الى 9 سنوات بـ 200 ألف دينار! ونوهت الوثيقة الرسمية بأنه لا يجوز لشخص حيازة أكثر من ثلاث غنائم على أن يستثنى من ذلك الأجانب من الأتراك والخليجيين والسوريين.
هذا النوع من الرق كان في العصر العربي والجاهلي بحسب إمام حيث قال: "موضوع السبايا والرق والعبودية يجب ان نفهمه في سياقه التاريخي، فقد كان موجوداً في كل الحضارات والعلاقات بين الدول، ومن بديهيات المعارك والحروب في الماضي أخذ رقيق سواء من رجال أم النساء، وعند مجيء الاسلام كان الرق موجوداً وقد اتبعه لكونه من قوانين وموازين العصر، ليذهب بعدها القرآن والسنة والممارسة في اتجاه القضاء عليه" كلام إمام يتطابق مع كلام الملا الذي لفت إلى أن" الاسلام حث على تحرير العبيد فحض على تحرير الرقاب لتكفير الذنوب مثلاً".
"ملك اليمين"
وماذا عن الآيات التي ذُكر فيها "ملك اليمين" والتي يستند إليها "داعش" في سبي النساء منها الآية: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (النساء:36) والآية وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (المؤمنون:5-6) أجاب إمام " في السابق كان يوجد ملك يمين، اي من حق الرجل الحر ان يكون لديه زوجة وارقاء من الرجال والنساء، فقد كانت طبيعة الحروب أن يأخذ المنتصررقيقاً هذا كان شيئا عالميا، الآن لا يوجد سبايا ولا يجوز أخذهن ولا يمكن ان تطبق الآية الآن فكل الواقع غير موجود". وأضاف " فتحت الشريعة الابواب الواسعة للتخلص من ملك اليمين والقضاء عليه وسد منافذه حتى انتهى نهائياً".
المشكلة الأساسية
في شهر حزيران الماضي نقل المرصد_السوري لحقوق الإنسان، أن "داعش" قام ببيع 42 من "السبايا" الأيزيديات في مدينة الميادين في الريف الشرقي لدير الزور في سوريا، بمبالغ مالية راوحت بين 500 و2000 دولار، وفي تموز الماضي أصدرت وزارة حقوق الإنسان العراقية تقريرا أكدت فيه ان "داعش" قام ببيع 100 مختطفة سورية كسبايا في مدينة الفلوجة العراقية التي أنشأ فيها التنظيم سوقا للنخاسة مجاوراً لجامع الفلوجة الكبيرالذي يفتتح يوميا بعد الإفطار وتجري عملية البيع بأسعار تراوح بين 500 إلى 2000 دولار".
المشكلة بحسب إمام ان "البعض يأخذ جزئية معينة من الاسلام يفصلها عن سياق كبير وعن مقاصد الشريعة والاهداف والواقع الذي نزل فيه التشريع، ويحكم عليها، وطبعاً سيكون الحكم خاطئاً لانه من المنظور الذي نعيش فيه الآن " فإن الازهر أصدر فتواه بحق "داعش" بحسب الملا إذ جاء فيها: "هم مفسدون في الارض".
ماذا عن الزمان والمكان؟
قد يرتكز "داعش" على أن القرآن صالح لكل زمان ومكان وتالياً"ملك اليمين" صالح للتطبيق اليوم، عن ذلك شرح إمام ان " عبارة "صالح لكل زمان ومكان " تعني ان الشريعة تستطيع ان تواكب كل جديد وتعطيه حكمه الصحيح المتوافق معها، ولا يعني ان كل جزئية جاءت في القرآن يجب أن نعيد تطبيقها ولو لم تعد تؤدي المقاصد والأهداف التي كانت موجودة سابقاً". ويطرح الإمام مثالاً "نكاح المتعة هو احدى نقاط الخلاف بين السنة والشيعة كان مطبقاً في العصر العربي و الجاهلي، وقد طبقه الاسلام فترة من الزمن، ليغلق السنة هذا الباب على عكس المذهب الشيعي الذي لا يزال يطبقه إلى اليوم".