ظلّلت الأزمة الحكومية والسياسية التي شكّلت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء مؤشراً متقدماً لمستوى التفاقم الذي بلغته، احياء الذكرى التاسعة لنهاية الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 واعلان "حزب الله" يوم "النصر الالهي". وعلى أهمية الدلالات المتصلة بالذكرى والرسائل الموجهة الى اسرائيل التي تضمنها خطاب الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أمام الحشد الذي شارك في إحياء الذكرى في وادي الحجير، لم يلبث الشق الداخلي من خطابه الذي شدّد فيه على دعم رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أن أثار تفاعلات تمثل أبرزها في رد الرئيس سعد الحريري على هذا الشق وتوسع عبره ليرد على مجمل منظومة "كسر العماد ميشال عون"، الأمر الذي وضع الاشتباك السياسي – الحكومي المتصاعد أمام وقائع اضافية من التعقيد يصعب معها التكهن بمسار الأزمة في قابل الأيام.
وبعد إفراده الحيز الأكبر من خطابه للحديث عن معاني "النصر الالهي" على اسرائيل، تطرّق السيد نصرالله الى الوضع الداخلي، فاعتبر "اننا كلّنا شركاء في الخوف والغبن وهذه الدولة نعم هي الضمان وهي الحل لا التقسيم ولا الفيديرالية". لكنه لفت الى "موقف سياسي في بعض الأماكن الى حدّ الحديث عن كسر العماد عون او عزله". وقال: "أنا أريد اليوم في 14 آب ذكرى الانتصار الإلهي ان اثبت اننا لا نقبل ان يكسر أي من حلفائنا على الاطلاق... وأقول لهم انتم مخطئون لن تستطيعوا ان تكسروا العماد عون او تعزلوه"، ذلك ان عون "هو ممر الزامي لانتخابات الرئاسة وهو ممر الزامي لتعود الحكومة منتجة وفاعلة". وأضاف ملوحاً بمساندة التحرّك العوني في الشارع: "أكيد المصلحة ان يكون "التيار الوطني الحر" في الشارع طالما هو اتخذ قراراً، فهل لدى من يتجاهل ويدير ظهره ويفكّر بالكسر والعزل الضمانات أن حلفاء كثيرين لن يلتحقوا وينضموا الى هذا الشارع؟". وجدّد الدعوة الى الحوار "كطريق موصل الى الشركة"، كما وجه نداء "صادقاً ومخلصاً الى القيادات المسيحية الوطنية أن تعيد النظر في موقفها من فتح المجلس النيابي".

ردّ الحريري
ورد الرئيس الحريري على خطاب السيد نصرالله، فقال في سلسلة تغريدات له عبر موقع "تويتر": "كنا نتمنى ان ينتهي الاحتفال بذكرى حرب تموز عند الكلام الذي يقول إن كل اللبنانيين شركاء في الخوف والغبن وإن الدولة هي الضمان والحل". وأكد أن "الشركة الحقيقية لا تستوي مع الخروج على الاجماع الوطني والاصرار على زج لبنان في الحروب الأهلية المحيطة. والشركة الحقيقية لا تستوي مع صب الزيت على نار التحريض ضد فريق أساسي في المعادلة الوطنية". ولاحظ أن "هناك اصراراً على رمي الأمور في الاتجاه الخاطئ وتحميل تيار "المستقبل" مسؤولية أزمة يشارك حزب الله في إنتاجها".
وقال: "انهم يخترعون مقولة إن هناك جهة تريد عزل العماد عون وكسره. فبركوا الكذبة وصدقوها وجعلوا منها باباً مشرّعاً للتحريض على "المستقبل". تيار "المستقبل" مؤتمن على الاستقرار وعلى الوحدة الوطنية، وهو لم يكن ولن يكون في أي يوم من الأيام أداة لكسر شركائه في الوطن"... تاريخنا يشهد لنا، والذين يريدون إلباسنا أثوابهم لن ينجحوا في هذه المهمة".

 

ممرّ وليس مقراً
وصرح النائب مروان حماده لـ"النهار" معلقاً على خطاب نصرالله: "لقد أوضح السيد نصرالله على طريقة ميثاق 1943 أن العماد عون هو ممر إلزامي ولكنه ليس مقراً محتوماً. واللبنانيون من الاشارة فهموا".
وقالت مصادر وزارية في قوى 14 آذار لـ"النهار" إن خلاصة خطاب نصرالله تشير الى ان ما قبل زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للبنان هو مثل ما بعده. وتساءلت ماذا يمكن نصرالله ان يقدم الى العماد عون بعد التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وسقوط احتمال أن يكون العماد عون رئيساً للجمهورية؟ ورأت ان الهدف الحقيقي لخطاب نصرالله داخلياً هو رفع معنويات العماد عون ودفعه الى الموافقة على معاودة عمل مجلس النواب.
وعلمت "النهار" ان الرئيس الحريري اتصل أمس بالرئيس تمام سلام وعرضا مجريات الأزمة الحكومية والاوضاع السائدة داخلياً.
وفي شأن الازمة الحكومية، علم ان الرئيس سلام أبدى امام عدد من الوزراء إستياءه من التعقيدات التي ترافق العمل الحكومي، آملاً في حصول تطورات من شأنها أن تحلحل الامور.
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان توجيه الدعوة الى عقد جلسة عادية لمجلس الوزراء سيتضح بعد غد الاثنين وذلك في نطاق المهلة المتوافق عليها أي 72 ساعة قبل انعقاد الجلسة أي الخميس المقبل. وأشارت الى ان عطلة عيد السيدة اليوم حال دون معرفة ما إذا كان الرئيس سلام يعتزم توجيه هذه الدعوة أم لا. ولم تستبعد ان يكون تريثه في الرد على مداخلات الوزراء في الجلسة الاخيرة مدخلاً الى تعامل حازم في الجلسة المقبلة أياً يكن موعدها، اذ يكون سلام قد أمهل القوى السياسية وقتاً لتنفيس الاحتقان ليستعيد المبادرة الى طرح الملفات الملحة واتخاذ القرارات في شأنها.

عون: تسونامي
وليلاً تحدث العماد عون الى قناة "المنار"، فأشاد بالسيد نصرالله واصفاً اياه بأنه "قيادي استثنائي وعندما أتكلم عنه أقصّر ولا أحب أن أبالغ فهو سيد بكل ما للكلمة من معنى وعلاقتي به هي فوق السياسة ومن غير المسموح التشكيك فيه أمامي". وفي ملف الأزمة السياسية قال عون انه "لا يمكن ان يأتي بعد اليوم رئيس للجمهورية لا يمثل المكون الذي ينتمي اليه". غير انه أوضح "اننا نقبل بتسوية رئيس توافقي اذا شملت الرؤساء الثلاثة فيكونون كلهم توافقيين لا يمثلون الاكثرية في طوائفهم". ولوّح عون بأنه "قادر على اقفال الشارع بالنساء والرجال والاطفال عبر التحرك في الشارع... وسيحصل تسونامي قريباً". واتهم الرئيس الحريري بأنه "اول من استهدفه ومنذ عام 2005"، قائلاً: "لم أتمكن في كل عهده من أخذ وزارة سيادية واحدة". واذ اعترف باسقاط حكومة الحريري من الرابية، اعتبر ان "هذه ممارسة شرعية وقانونية، أما هم فخرجوا على الميثاق". واتهم الحريري بعدم التزام الاتفاقات قائلاً: "الأخلاقيات اهم من القوانين".