لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والأربعين بعد الأربعمئة على التوالي.
ولبنان بلا حكومة منتجة للشهر الثاني على التوالي، أما مجلسه النيابي، فبات يستحق أعلى الأوسمة، لأنه الأكثر بطالة، حتى أن مجلس العام 1972 الذي عاش عشرين سنة بفضل تمديد تلو التمديد، ظل ينتج في عز أيام الحرب الأهلية وخطوط التماس.
ولبنان الذي يحتفل، اليوم، للسنة التاسعة على التوالي، بالنصر المخضب على العدو الإسرائيلي، يكاد يُضيّع تلك التضحيات الكبيرة التي دفعها على مدى ثلاثة وثلاثين يوما، مع تعمق الانقسامات السياسية والطائفية والمذهبية، برغم إدراك الجميع أن التأزيم لا يتناسب أبدا ومناخات التسويات التي لا بد وأن تلفح المنطقة، وخصوصا مربع الأزمات اليمنية والسورية والعراقية واللبنانية، ولذلك، لا بأس أن يكون هذا الوقت الإقليمي الضائع مناسبة لتكريس تفاهمات الحد الأدنى محليا، بدل توسع دائرة الانقسام والضياع والاهتراء، وصولا إلى تفكك آخر ما تبقى من مؤسسات.
مهرجان وادي الحجير ثلاثي الأبعاد
في الرابع والعشرين من نيسان 1920، انعقد مؤتمر وادي الحجير، ومن منبره، أطلق العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين صرخته مخاطبا ثوار جبل عامل أن ينتفضوا وأن يطلقوا المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي وضد كل محاولة لتقسيم الوطن العربي وتحويله إلى دويلات مذهبية وطائفية.
ومن أدهم خنجر الصعبي وصادق حمزة الفاعور، إلى هادي حسن نصرالله، مرورا بـ «الأخضر العربي»، ظل وادي الحجير رمزا للمقاومة ضد الاحتلال والاستعمار بكل مسمياتهما، وظل الترابط قائما بين جبل عامل وفلسطين وبلاد الشام.
ولعل ميزة إطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عبر الشاشة العملاقة من وادي الحجير، مساء اليوم، أنها ستكون ثلاثية الأبعاد:
البعد الأول، هو المناسبة بحد ذاتها، أي انتصار تموز ــ آب 2006، والتدليل على رمزية وادي الحجير، حيث كان الإسرائيلي يريد أن يتوج تلك الحرب بمجرد التقاط صورة لمجموعة من جنوده وضباطه عند الضفة الشمالية لنهر الليطاني، لكن المقاومين، حولوا هذا الوادي وكل الوديان والدروب المؤدية إليه إلى مقبرة لأكثر من خمسين دبابة «ميركافا»، فكانت ملحمة ربما وَثَّقَها الإسرائيليون بتفاصيلها الدقيقة والمؤلمة أكثر من اللبنانيين أنفسهم.
وبطبيعة الحال، سيعيد السيد نصرالله التأكيد في هذا المضمار، على جهوزية المقاومة للرد على أية حرب أو مغامرة يفكر الإسرائيليون بالقيام بها.
البعد الثاني، هو التأكيد مجددا على ترابط مواجهة الإرهابَين الإسرائيلي والتكفيري، وصولا إلى القول إننا كما انتصرنا في تموز 2006 سننتصر في نهاية المطاف في حربنا المفتوحة ضد الإرهاب التكفيري بمسمياته كافة.
البعد الثالث، هو البعد المحلي، انطلاقا من إعادة التأكيد على وفاء المقاومة لكل شركائها في الانتصار التاريخي، وفي طليعتهم الجيش اللبناني وكل حلفاء المقاومة في الداخل وأبرزهم العماد ميشال عون.
ولعل القيمة المضافة لخطاب العام 2015، أنه يأتي غداة التوصل إلى التفاهم النووي الذي اطّلع السيد نصرالله على الكثير من تفاصيل مفاوضاته وقطبه المخفية، خلال اللقاء المطول الذي جمعه، ليل الثلاثاء الماضي، بوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.
ولن يكون مستبعدا أن يتوّج الأمين العام لـ «حزب الله» خطابه هذه السنة بمخاطبة جمهوره المحتشد في وادي الحجير أو الذي يتابعه عبر الشاشات بأن وعده بالانتصار في العام 2006 تحقق... «وإن شاء الله سيتحقق قريبا وعدُنا لكم بالنصر الإقليمي الكبير».
وعلى مسافة أقل من ساعتين من انتهاء خطاب نصرالله، يطل العماد ميشال عون، عبر شاشة «المنار» في لقاء بدا مدروسا بتوقيته ومضمونه، حيث ينتظر أن يلاقي «الجنرال» خطاب «السيد» بإعلان التمسك بالشراكة والتحالف، وفي الوقت نفسه، تسليط الضوء على ثوابت الاستقرار والوحدة والشراكة، من دون التفريط بالخطوات التصاعدية التي ينوي «التيار الوطني الحر» القيام بها في المرحلة المقبلة، خصوصا أنه تجاوب مع أكثر من مبادرة سياسية، ليتبين لاحقا أن هناك من يريد كسره وتياره وجمهوره لأسباب تتعلق بخياراته السياسية وخصوصا تحالفه مع المقاومة.
جنبلاط لـ «السفير»: حماية الاستقرار
وفيما اتخذت جلسة الحكومة، أمس، طابعا منبريا استعراضيا، بدليل فيض الكلام الذي قيل فيها، من دون التوصل إلى أية تفاهمات لتأمين استمرارية عمل مؤسسة مجلس الوزراء (التفاصيل ص3)، تمحور لقاء أمس الأول الباريسي بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، حول «سبل حماية الاستقرار في لبنان وتذليل العقبات التي تعترض عمل مؤسساته الدستورية». وقال جنبلاط لـ «السفير»: «اللقاء مع الشيخ سعد كان إيجابيا جدا واتفقنا على أهمية تمتين الاستقرار الداخلي والتأكيد على استمرار الحوار وتفعيل عمل الحكومة بالتزامن مع فتح دورة استثنائية لمجلس النواب».
وحول المشروع المتعلق برفع سن التقاعد للعسكريين، قال جنبلاط: «نحن معترضون عليه لأنه يرتب أعباء كبيرة على الخزينة وهذه بدعة، لأننا بدل أن نكون أمام ٤٠٠ عميد نصبح أمام ٨٠٠ عميد، ولذلك لا مفر من التمديد».
وعن مستقبل الحكومة، قال جنبلاط: «برغم كل شيء، لم تنتهِ الحكومة، وعلى المرء أن يعتاد على الارتجاجات».
من جهتها، قالت أوساط مقربة من الحريري لـ «السفير» إن رئيس «تيار المستقبل» على تفاهم مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط على عدم المس بالحكومة، «ولذلك علينا أن ننتظر حتى تهدأ العاصفة العونية، ومن الآن ولغاية أسبوعين، لا بد للحكومة من أن تواصل اجتماعاتها وأن تتخذ قرارات الضرورة، وهذا الأمر يسري على مجلس النواب، بحيث تُفتح أبوابه ويمارس أيضا تشريع الضرورة إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية».