مع اشتعال شوارع عواصم ومدن بعض الدول العربية بالثورات الشعبية عندما انطلقت الجماهير بمظاهرات واعتصامات مطالبة بتغيير الأنظمة فيما أطلق عليه بالربيع العربي . برزت الأحزاب السياسية الإسلامية في مقدمتها القوى السياسية المطالبة بالتغيير ، وقدّمت نفسها على أنّها البديل الطبيعي والإصلاحي للأنظمة الديكتاتورية البائدة التي حكمت بلدانها عقوداً من الزمن كانت كافية لإغراق هذه الدول في مهاوي الفساد وحالت دون انتقالها من ظلمات الجهل والفقر إلى رحاب التطور والتقدم والتفاعل مع التكنولوجيا والعلوم الحديثة التي غزت دول العالم .
إلا أنّ هذه الأحزاب السياسية الإسلامية العربية أثبتت فشلها في ممارسة الحكم خلال الفترة الزمنية القصيرة نسبياً التي توّلت فيها مسؤولية إدارة شؤون البلدان التي حكمتها .
ففي مصر فإنّ الإخوان المسلمين بالكاد استمروا عاماً في الحكم عندما تمّ انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية ، علماً بأنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت إلى جانبهم ، إذ أنّ الإدارة الأميركية ساهمت في وصولهم إلى السلطة .
إلا أنّ الرئيس مرسي وفور توليه الحكم بادر إلى إتخاذ قرارات تطاول الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء وباقي المؤسسات محاولاً تقليد حزب العدالة والتنمية في تركيا متجاوزاً الفوارق والاختلافات بين البلدين .
مع الإشارة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حتى الآن لم ينجح في كل ما يسعى إليه في مجال التغيير داخل المؤسسات التركية ، إذ أنّه يواجه أحزاباً أخرى قوية ويخوض صراعات في جبهات عدة فضلاً عن صراعاته الداخلية .
وفي تونس فإنّ حزب النهضة الإسلامي فضل الإنكفاء وعدم المشاركة في السلطة من دون أن يكون له التأثير الكبير الذي يتمناه ، وذلك بعدما تصدت له الأحزاب الأخرى والحركة النقابية القوية فضلاً عن العلمانيين واليساريين وحالت دون استمراره في الحكم .
وأثبتت تونس أنّها طوال سنوات الحكم العلماني الذي أرساه الحبيب بو رقيبة وعلى رغم ديكتاتورية زين العابدين بن علي أنّها ضد الأحزاب الدينية .
أما في العراق فكانت الكارثة الكبرى مع الأحزاب السياسية الدينية ، رغم أنّه كان أمامهم فرصة نادرة لإستلام الحكم وإدارة شؤون البلاد بنجاح .
فالولايات المتحدة الأميركية كانت إلى جانبهم وما زالت ، وساهمت في تسليم زعماء حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي ( الإخوان )إدارة الحكم في البلاد وساعدتهم في حلّ الجيش العراقي وضرب كل الأجهزة الأمنية والسياسة السابقة واجتثاث حزب البعث . مفسحة في المجال لإعادة بناء النظام والدولة من جديد .
لكن العقل الثأري والخلفيات المذهبية وعدم الخبرة السياسية فضلاً عن الصراعات الداخلية أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم من تفكك على المستوى الإجتماعي وتقسيم عملي ما بين الشمال والجنوب والوسط على أسس طائفية وعرقية .
فالعراق اليوم وبعد أكثر من 12 عاماً على انهيار النظام البعثي العراقي وتولي الأحزاب الإسلامية مسؤولية إدارة الحكم في البلاد فإنّه يعاني أزمة في الكهرباء والمياه وفي أبسط الخدمات فضلاً عن الخلل والفساد الذي يسيطر على المؤسسات العسكرية .
هذا عدا عن ملايين النازحين والمهجرين الذين ضاقت بهم سبل العيش في بلاد ما بين النهرين وهي من أغنى البلدان العربية بالثروة النفطية والمائية والبشرية.
وعليه يمكن القول أنّ الأحزاب السياسية الإسلامية العربية فشلت في تجربة الحكم في الوطن العربي ، وذلك يعود إلى أنها لم تتطور على مستوى الفكر ولا على مستوى النظرة إلى تحول المجتمعات وهذا الجمود يترك هذه الأحزاب على هامش الحياة السياسية ويضطرها إلى الانعزال ويدفعها إلى تكفير الجميع .