حمل هاغوب مانيسجيان السيغار ومشى. إلى جانبه، حمل جانو شلال سيغارين بيد حتى لا يضيع عليه الكثير وزجاجة شامبانيا بيد أخرى ومشى. خلفهما عشرات الأعلام البرتقالية تقطع الطريق في ساحة ساسين من رصيف إلى آخر. يحملون الأعلام؛ علم التيار الوطني الحر والجيش اللبناني؛ ويمشون. أغاني الجيش تتداخل في كل تظاهرات العونيين مع أغانيهم الحزبية، وصوت زياد عبس.

تتألف تظاهرة العونيين – أية تظاهرة – من «بازل» يمثل هؤلاء الشباب قطعها الأساسية. على غرار النائب حكمت ديب، لا يبدو عبس على طبيعته في المكتب مقيداً بالبذلة الرسمية. ها هو، هنا، كسمكة أعيدت إلى مياهها. بجانبه، يحاول الوزير السابق نقولا الصحناوي أن يحذو حذوه في التفاعل مع العونيين. يحمل مناصرة، يقبل آخر، ويقول لصحافي يحاوره على الهواء مباشرة إنهم قرروا أن «يلبطوا بأقدامهم» فيصحح له «تقصد، تقترعون بأقدامكم».
شباب الأشرفية تركوا سياراتهم في منازلهم ليسيروا إلى ساحة الشهداء، مروراً بجسر الحكمة الذي شهد قبل أكثر من عشر سنوات اعتداء القوى الأمنية بوحشية استثنائية عليهم غداة تظاهرهم اعتراضاً على إقفال الـ MTV. تعرفهم هذه الزوايا ويعرفونها. تزداد الحماسة وتعلو الهتافات. يتأكد أحد الناشطين من وصول الجميع في الأشرفية والرميل والصيفي، قبل أن يلتقوا بوفد بعبدا قبيل تقاطع التباريس. سابقاً، كان يسير في تظاهرات العونيين شخص يرتدي قناع أسامة بن لادن، ويحمل رشاشاً بلاستيكياً ولافتة تقول إن «الإرهاب هو الجيش السوري في لبنان». أمس حملوا لافتة عليها صورة قرد يرتدي ربطة عنق زرقاء وتعليق يقول إن ISIS يمكن أن ترتدي ربطة عنق أيضاً. ولا شك أن أعلام تيار المستقبل فاجأت المشاركين في التظاهرة العونية قبل أن يقرأوا ما كتب عليها: «ألوان الدولة الإسلامية الحقيقة»، و»الدولة الإسلامية ــــ إمارة لبنان». يستفسر أحد الناشطين عن جموع المتظاهرين قبل بضعة أيام ضد أزمة النفايات، وماذا يحول دون تلبيتهم دعوة الجنرال الذي حرص على تضمين خطابه المطالب الإنمائية المحقة، فيجيبه زميله بأنّ السبب الذي حال دون تظاهره مع أولئك الناشطين أول من أمس حال دون تظاهرهم معه اليوم. ويكملان السير بالاتجاه نفسه.


حرص رفول في كلمته على إعادة الاعتبار للبعد الوطني للتيار مبتعداً عن الخطاب الطائفي



لا يكتمل النصاب في ساحة الشهداء حتى يصل موكب المتن الشمالي. الأهم من عديد المشاركين هو نوعيتهم. من يصفهم منسق عام التيار بيار رفول بأنهم «جيل ما تلوث بالعمالة والعمولة وما في نقطة دم ع ضميره» يحيطون بتمثال الشهداء. المرشحان إلى رئاسة التيار الوطني الحر جبران باسيل وآلان عون جنباً إلى جنب، يتوسطهما بين وقت وآخر النائب إبراهيم كنعان. يستغل بعض الحشد المناسبة لالتقاط الصور التذكارية مع ممثليهم المفترضين. بموازاة نجاح التيار في الحفاظ على سرية نياته حتى انطلاق السيارات باتجاه ساحة الشهداء، نجح في تجاوز تحدي الحشد الشعبي مستفيداً من لعبة المواكب السيّارة. أما خطاب التحرك فركز على العلاقة الوطيدة بين التيار والجيش بمعزل عن هوية قائده، رافضين محاولات المقربين من قائد الجيش العماد جان قهوجي وتيار المستقبل وضع الانتقادات الموجهة إلى قائد الجيش في خانة انتقاد الجيش نفسه. وكان لافتاً حرص رفول في كلمته على إعادة الاعتبار للبعد الوطني للتيار، مستعيضاً على نحو كامل عن الخطاب المذهبي بخطاب وطنيّ ــ مطلبيّ. وهو وجه مجموعة رسائل سياسية هادئة، في وقت بدا فيه واضحاً من شعارات المشاركين وهتافاتهم أن أزمة هذا الجمهور الأكبر هي مع من «أهدوا مفاتيح بيروت». أما انتخابات التيار الوطني الحر الداخلية، فبدا واضحاً انعكاسها الإيجابي على هذا التحرك، بحيث تنافس المؤيدون لباسيل وعون على إثبات قدرتهم على الحشد، وسعى باسيل وعون إلى الظهور بمظهر الملتصق بالقاعدة.
تظاهرة العونيين أمس لم تشهد توزيع بونات بنزين كما يحصل في غالبية التظاهرات الأخرى، فنزلت المواكب من عكار والمناطق البعيدة الأخرى بمبادرات ذاتية من الناشطين. ورغم الحر لم يوزع أحد زجاجات مياه أو بونات طعام أو حتى قبعات أسوة بتظاهرات أخرى. بدا واضحاً من بداية التظاهرة حتى نهايتها أنها تحاكي تظاهرات المرحلة الماضية: أربعة مكبرات صوت قديمة، و»بيك آبين» متهالكين تعطل أحدهما. أما الأغرب فكان انتهاء التظاهرة كما بدأت من دون أن يعرف أحد. أنهى رفول كلمته دون أن يقول للجمهور ما يتعين عليهم فعله فوقع هؤلاء في حيرة من أمرهم ريثما أجرى النائب آلان عون الاتصالات اللازمة ودعا الحاضرين إلى المغادرة، على أمل اللقاء اليوم.