لا يلفظ بعض الأبناء كلمتي "ماما" و"بابا" فينادون والديهم بأسمائهم الأولى، كما لو أنهم يرفضون أي اندماج مع الأسرة؟ لهذا الفعل دلالات عدة وليس أمراً عابراً ولا مسألة تافهة في التربية. المستشارة الزوجية والأسرية فيولين غالبير والاختصاصية في علم النفس الأسري إيفلين جوفروي قدمتا شرحاً تفصيلياً، في موقع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، للأسباب التي تدفع الأبناء إلى "رفع الكلفة" في مناداة الأهل. وفي هذه الحالات نجد أن الأولاد لا ينادون فقط والديهم بأسمائهم بل أيضاً حينما يتحدثون عنهم مع أصحابهم وهكذا يحفظون أرقامهم في هواتفهم.
رغبة من الوالدين
قد يكون استخدام الاسم الأول في مناداة الوالدين هو ما يريده الأهل أنفسهم، خصوصاً الأهل الذين يرفضون التقاليد الموروثة في التعامل مع الأبناء، تشرح غالبير. كما أن بعض الأهل يود معاملة أولاده كالأصدقاء بهدف بناء علاقات من الند للند معهم. إضافة إلى كون بعض الأهل يكره ماضيه في عائلته ولا يريدون تكرار تاريخه الشخصي في تربية أبنائه فيشكل لفظ كلمتي أمي وأبي إزعاجاً لهم فيطلب من أولاده مناداته باسمه. أما بالنسبة إلى آخرين، فإن ألقاب الوالدين تعكس تحديات ومسؤوليات، يفرضها مفهوما الأبوة والأمومة، وهو الأمر الذي يرفضونه أو لا يجدون أنفسهم قادرين على تحمّل تبعاته وأعبائه فيطلبون من الأولاد مناداتهم من دون اللقبين، بحسب جوفروي. بطبيعة الحال، ثمة دوماً أمهات لا يتقبلن مفهوم العطاء الذي تحمله كلمة "أمي" ولا يكن مستعدات لعيشه بشروطه كافة فيرفعن الكلفة مع أبنائهنّ.
الطفل يقلّل من شأنهما
لكن القرار في تسمية الأهل قد يأتي أيضاً من الطفل نفسه، "إنها عادة يتّبعها الطفل بهدف التغيير في حياته، يكون سببها صدمة في بعض الأحيان" تقول غالبير. باستخدام الاسم الأول للأهل يأخذ الطفل قسطاً من الراحة والمسافة. وتضيف "في سن المراهقة ثمة صراع مع الوالدين، واستخدام الاسم يكون جزءاً من تلك التحديات، فينادونهما مثل أي شخص آخر، للدلالة على أنهم لم يعودوا والديهم مستهينين بفكرة الأبوة والأمومة ورافضين سلطتها". كما تؤكد المستشارة الأسرية "أن استخدام اسم الأهل الأول من المراهق يعني أنه لم يعد طفلاً، وهو يجد عند الحديث عن والديه أمام أصدقائه بكلمتي "أمي" أو "أبي" أمراً في غاية السخافة!".
التقرّب من الأهل
هذا من دون أن نتنكر لتقليد الأولاد لأشقائهم الأكبر سنّاً في مناداة أهلهم، إضافة إلى كون بعض الأبناء يتولون رعاية أشقائهم الأصغر منهم بدلاً من الأهل بحكم انشغالاتهم أو أسفارهم فتصبح مناداة الأهل بأسمائهم عملية طبيعية مثلما ينادي الأشقاء بعضهم.
لا يخلو الأمر من وجود علاقات طيّبة وودّية مع الأهل تدفع الأولاد إلى التقرب من أهلهم ومناداتهم بأسمائهم، مع التذكير بأن أولاداً كثراً يعتمدون الوجهين: تارة ينادون والدهم باسمه الحقيقي وطوراً ينادونه "بابا" باختلاف المواقف، كما أن استبدال وظائف الأهل بأسمائهم الفعلية في بعض الأسر يدلّ على أن أدوار الأهل ليست دوماً ثابتة، كما هي الحال لدى تولي الأشقاء مهمات التربية.
إنّما مع تقدم الأهل في السن، يصبح اسما المنادى "أمي" و"أبي" فرضاً لا يمكن الأبناء تجاهله إذ فيه دلالات عميقة للشكر والعطف والامتنان. وفي هذا الشأن، يبقى لكل ولد طريقته في التعبير عن احترامه لأهله، إذ مهما تغيّرت الألفاظ سينتقل الأولاد من سنّ الطفولة والمراهقة إلى عمر أنضج يفهمون فيه معنى الأمومة والأبوة.