يكتنف اتفاق فيينا النووي التاريخي بين إيران والدول الخمس زائد واحد ، قضايا شائكة ومسارات متضاربة، إذ نلاحظ من جهة أنّ هذا الإتفاق تحول إلى قرار أممي ملزم على جميع الأطراف وليس لأحد رفضه أو تعديله، ممّا يعني أنّ جميع المحاولات لرفضه سواء في إيران أو في الولايات المتحدة ، هي محاولات عبثية فاشلة .
ومن جهة أخرى نلاحظ أنّ المتضررين من هذا الإتفاق في كل من إيران وأميركا وهم المحافظون المتشددون الإيرانيون والجمهوريون الأمريكيون ، يستمرون في معارضتهم للإتفاق النووي، بحجة أن الاتفاق النووي يمثل هزيمة لبلادهم .
فإنّ المعارضين الأميركيين يعتبرون أنّ الاتفاق النووي لن يحول دون وصول إيران إلى إنتاج القنبلة النووية، كما إنّه لم يضمن تعهداً إيرانياً بأمن إسرائيل، ولا حتى الإفراج عن رهائن أميركيين من السجون الإيرانية .
وأما المعارضون الإيرانيون للإتفاق النووي يرون فيه استسلاماً واضحاً لرغبات الأميركيين، في تحويل مفاعل فوردو إلى مختبر للبحوث ، كما لم يتمكن من رفع العقوبات عن الأنشطة الباليستية والعسكرية، رغم قبول إيران بمطالب الدول الخمس زائد واحد في تحويل مفاعل أراك وفوردو إلى غير ما خُصّصتا لها، وتخفيض مستوى التخصيب .
ولكن ما يُخيف المعارضون الإيرانيون للإتفاق النووي ليس ما يعربون ويعبرون عنه فيما يتعلق بمضمون الإتفاق ، بل إنّ الذي يخيفهم هو تداعيات الإتفاق النووي من فتح أبواب إيران على الغرب وتخفيف العداء بين إيران والولايات المتحدة .
وبالموازاة مع سعي القلقين للقضاء على الاتفاق النووي، يجري محاولة من قبل حكومتي الرئيس أوباما والرئيس روحاني لتمرير الاتفاق وتبريره. فمع تزايد جهود الجمهوريين في الولايات المتحدة لرفض الإتفاق النووي، يشجع الفريق المفاوض الإيراني مجلس الأمن القومي للإستعجال في إقرار التوافق بغية تحميل أعباء رفضه على الطرف الأميركي بحال رفض الكونغرس له.
ومن أجل تحلية التوافق النووي للطرف الأميركي ، تحاول حكومة الرئيس روحاني إقناع القضاء على الإفراج عن سجناء أميركيين تم تأجيل محاكمتهم إلى بعد تبين الخيط الأبيض النووي من الأسود ، ليرتب على الشيء مقتضاه .
وكان لافتاً أنّ القضاء الإيراني استأنف محاكمة جيسون رضائيان مراسل واشنطن بوست في طهران المعتقل منذ عامين بتهمة التجسس لصالح المخابرات الأميركية.
ويبدو أنّ مصير جميع المعتقلين الأميركيين ذوو أصول إيرانية مرتبط مباشرة بمصير الإتفاق النووي في أميركا .
وهناك تجري محاولة أخرى من قبل حكومتي روحاني وأوباما لتحلية الإتفاق النووي داخلياً، حيث إنّ الرئيس أوباما يُظهر بأنّ الاتفاق النووي سيكون مدخلاً لإنهاء العداء بين إيران والولايات المتحدة، وتحسن العلاقات بين البلدين، كما أنه احتمل بأنّ الإتفاق النووي و تخفيف العداء بين إيران والولايات المتحدة سيعكس على الموضوع السوري.
ثم رأينا الرئيس أوباما يوم الجمعة الماضية فتح جبهة جديدة مع الجمهوريين وحتى الديموقراطيين المعارضين للاتفاق النووي، بتشبيههم بالمتشددين في إيران قائلاً : حتى في إيران، الحرس الثوري وقوات فيلق القدس والمتشددون الذين يرفضون أيّ تعاون لإيران مع المجتمع الدولي هم أشدّ المعارضين للإتفاق النووي ، وأكدّ أوباما على أنّه لم يعد هناك طريق لتجنب الحرب، إلاّ الإتفاق النووي.
ويبدو أنّ طريق أوباما للحصول على إقرار الكنغرس للإتفاق النووي، مسدود وأن استخدامه لحق النقض سيواجه صعوبات، وحقاً وصلت الإثارة في مباريات الكرة النووية بين إيران وأميركا ذروتها ، وستتصاعد بعد عودة النواب من العطلة الصيفية ، الذي سيتبعه طقس سياسي ساخن جداً في واشنطن .
أما في إيران فإنّ المرشد الأعلى السيد خامنئي لم يتخلّ لحد الآن عن مقولته المتشائمة الشهيرة التي تفيد بعدم ثقته للأميركيين، التي ربما سيثبتها الجمهوريون أو يدحضها االرئيس أوباما ، فإنّ حسابات المرشد الأعلى وراء حسابات حكومة الرئيس روحاني .