هي ليست الشائعة الأولى ، وكأنّ هناك من يريد موته ، أو كأنّ هناك من طامح للخلاص من شعره ، هي الشائعة الثالثة التي تؤكد خبر موت الشاعر العراقي مظفر النواب ، فخبر الموت انتشر منذ يوم البارحة غير أنه لم يؤكد رسمياً ، إلا أنّ ما تأكد هو النفي ، فطمأن "النواب" محبيه في اتصال أجرته معه صحيفة القدس العربي مخبراً إياهم أنه بخير وساخراً من الإشاعة ...
ولكن نتساءل لماذا الإشاعات ... لماذا يريدون موت النواب !
لماذا ؟
لأن ما كتبه مظفر آلمهم ، عكس حقيقتهم ، ولأن شعره ليس ليلمع الواقع بل ليبصرهم عيوبهم وزيف عروبتهم ..
فالشاعر مظفر النواب ، تمتاز قصائده بالعفوية وبدقة التصوير وبالجرأة وباللغة التي تلامس الشعب بكل أطيافه العمرية وبكل مستواياته العلمية ، هذا الشاعر الذي ثار على القصائد فلم يجامل العرب ولم يرفع من شأنهم وإنما وقف بوجه التخاذل والمتاجرة فكتب عن القدس قائلاً :
"ووقفتم خلف الباب تسترقون السمع لفض بكارتها "
كما أنّه خاطب الزعامات والقيادات وكل من تمختروا بالعروبة ، وقال لهم بكل قسوة :
"يا جيفاً .. يا نتانات
أين دياناتكم
أين عقائدكم
يا بهائم
أن البهائم ما نهبت بعضها "
هذا الشاعر الذي ملّ من عروبة الخطابات ، ومن عرب الكلام ، حتى ذهب قلمه إلى القول :
"عرب.... عرب..... عرب... جداً أولاد الكلب
وأول ما تعرب خصيتهم في نشرات الأخبار ! "
لهذا يريدون موته ، لأنّ بين ورقه تتضح صورهم ، لأن شعره أوجعهم ، ولكن لا يعلمون أنّه لو مات ألف مرة فكل قصيدة كتبها هي "أبدية" ، وكل خاطرة نحتها ستظل حاضرة فالبصمات لا تموت ..
مظفر النواب حيّا يرزق (ونتمنى له العمر المديد) ، وقصائده ستظل تتكرر وسيظل القراء يبحثون عن النقد الحقيقي للواقع العربي بسطور شعرية بين أوراق شاعرنا العراقي ...