أنشد محمود درويش وكتب لفلسطين أمّه التي أنجبته شاعراً يحاكي القصيدة التي أحيته وبعد أن كتبها مات ، سقط في حفرة نصف وطن وفي وسط الطريق وبعد أن باع الجميع أرض الأنبياء .
نتذكر محمود درويش بعد أن نسيّ النصر الذي انتظره طويلاً في الغربة وفي الوطن ونعيد معه بقايا ما تركه من تراث ثقيل ما زال يرّن في مسامع التاريخ ويصرخ من وجع التراب المدفون في قبر القصيدة .
عرفت محمود درويش كغيري ممن استمع في لحظة انفلات لمرسيل خليفة على عود الحركة الوطنية الذي بدأ يوترّ على أزيز الرصاص ومدافع القتل اليومي عندما مرّ الفدائي ملثماً كأنّه يعبر الضفة والقطاع رافعاً رشاشه وشارة النصر من شوارع الشياح واستفقت باكراً على أهازيج أناشيده المرتلة التي حفظتها الذاكرة الثورية العربية آنذاك .
غرق محمود درويش في شعر الثورة غناها حتى أبكاها وسبح في بُرك دمها التي ملأت أرض الوطن العربي ولم تصل لفلسطين التي وصلها جثة من كلمات .
لا شكّ بأن محمود درويش أعاد كتابة القصيدة الفلسطينية على ضوء تغيراته العقلية فهو انهزم من المباشرة الشعرية مع انهزام مشروع الكفاح الفلسطيني إلى الرمزية الشعرية بواسطة أدوات تغريبية تساعده على إمتصاص نفسه وتحريرها من تشوهات الماضي النضالي لترسيخ عملية جديدة في الحفر اللغوي بواسطة إبرة الثورة السلمية لا الثورة الحربية التي هشّمت بناء منظمة التحرير وجعلته كالعصف المأكول .
بين محمود المنشغل بالتحرير من بيروت وبين محمود الواصل إلى فلسطين بعربة السلام قصيدة مركبة بطريقة يجب إزاحة كل الستائر عنها لقراءتها بتمعن حتى نستطيع الإقتراب أكثر من الشاعر في لحظة انعدام وانقطاع مع الماضي أيّ التمسك بالجديد وبالتجديد اللغوي ابتعاداً منه عن المستهلك الشعري التاريخي الذي أطنب ولم يُسهم في التنمية الثقافية التي افتقر لها ملحنو الثقافة الحزبية من حركة القوميين العرب إلى الاشتراكيين الثوريين .
أدرك محمود درويش مؤخراً أنّ المعركة الحقيقة هي معركة السلام مع اسرائيل وأنّ معركة الحرب معها ما هي إلاّ نوع من الإستثمار السياسي الذي يغذي المستثمرين سواء كانوا يهوداً أو عرباً ، لذا نثر شعره واحة للسلام وآمن بميلاد تاريخ فلسطيني جديد خارج المصادرة النضالية الواهمة والعابثة واعتبر أن تحرير فلسطين لن يكون بسوط الجلاد نفسه بل بسلاح أفتك منه ألا وهو الحرية القادرة على استرداد ما عجزت عنه المقاومة الفلسطينيّة التي استبدت فتاهت ونسيت طريق فلسطين .
في ذكرى محمود درويش ذكرى القلم الذي كتب القصيدة على قبر فلسطين الشهيدة ندرك أهمية السلام في الشعر العربي .