بعد الحصول على التوافق النووي مع الدول الخمس زائد واحد والذي وفرّ للإصلاحيين زخماً شعبياً واسعاً وهمّش المحافظين المتطرفين ، يتقدم الشيخ رفسنجاني في المعركة السياسية لإلقاء هزيمة أخرى على جسم التيارالمحافظ الجريح منذ الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في 2013 ، قبل أن يضمد جراحه ، وذلك عبر إعلانه عن ترشحه في الإنتخابات القادمة لمجلس خبراء القيادة ، التي ألقى الدستور على عاتقه مهمة انتخاب المرشد الأعلى والمراقبة على أدائه .
لم يكتفِ الرئيس السابق المعروف بحنكته وذكائه، بالإعلان المبكرعن ترشحه بل تهجم على مجلس خبراء الدستور المكوّن من أغلبية محافظة متشددة ، والأجهزة الأمنية واتهمهم ببذل الجهود من أجل صرف الشعب عن الإنتخاب الصحيح ، خلال الإنتخابات الرئاسية الأخيرة .
ويعود السبب في تهجم رفسنجاني على مجلس صيانة الدستور إلى رفض طلب ترشحه للإنتخابات الرئاسية الأخيرة من قبله بعدما ضغطت عليه الأجهزة الأمنية التي كانت ترى بأنّ الشيخ رفسنجاني لم يعد يملك صلاحية الترشح للرئاسة.
لم يتوقف وقتها الرئيس رفسنجاني من الإستمرار في المعركة الرئاسية واستخدم جميع طاقاته لفرض الهزيمة على المحافظين المتشددين وعلى رأسهم مجلس خبراء الدستور، وذلك بوقوفه خلف المرشح المعتدل حسن روحاني الذي تدرّب في جميع مراحل حياته السياسية على يد الرئيس هاشمي رفسنجاني .
كان المحافظون المتشددون واثقين من أنّهم سيربحون الإنتخابات الرئاسية بعد إقصائهم رفسنجاني من دائرة المرشحين للرئاسة، ولكنهم فوجئوا بفوز حسن روحاني ، المتخرج من مدرسة الرفسنجانية .
وتظهر معلومات نشرت بعد سنتين من الإنتخابات الرئاسية عن أنه وفق استطلاعات المخابرات الإيرانية قبيل الانتخابات لم يكن لروحاني حظ للفوز في الإنتخابات وكان يتصدر قاليباف قائمة الإستطلاعات العامة للمخابرات .
وبالرغم من عدم رغبته شخصياً لخوض معركة انتخابية جديدة إلا أنّ معسكر الإصلاحيين والمعتدلين يلح على مشاركة الشيخ رفسنجاني في انتخابات مجلس خبراء القيادة ، حيث إن هذا المجلس له دور حاسم في تحديد مصير إيران المستقبلي .
ويراهن المحافظون المتشددون على الرفض الواسع لمرشحي تيار الاعتدال والاصلاح أي مناصري الشيخ رفسنجاني ، الذين يتمكنون من الفوز في أي معركة انتخابية نزيهة وشفافة وديمقراطية .
أثارت تصريحات رفسنجاني بشأن تدخل مجلس صيانة الدستور والأمن في مسار الإنتخابات الرئاسية حفيظة الناطق الرسمي السابق لمجلس صيانة الدستور عباس كد خدائي ، الذي نفى صحة تصريحات رفسنجاني داعياً الأجهزة الأمنية ومجلس صيانة الدستور برفع الدعوى القضائي ضده.
وشبّه الناطق الرسمي السابق الرئيس السابق رفسنجاني بتلميذ سقط في الإمتحانات، ولكنه يحمل أساتذته التقصير!
ويبدو أن ما يقصده عباس كد خدائي وهو أستاذ في القانون بجامعة طهران، من سقوط رفسنجاني في الإمتحانات، ليس هزيمته في الانتخابات، بل رفض طلب ترشحه للإنتخابات!
ممّا أثار استياء أغلبية الشعب الإيراني التي كانت مع رفسنجاني .
أما الآن لم يعد هناك ضغوط من قبل المخابرات التي هي بيد الرئيس روحاني، والجميع ينتظر ليرى كيف سيدرس مجلس صيانة الدستور الذي هو معني بالنظر في أهلية المرشحين ، موضوع طلب ترشح رفسنجاني لمجلس الخبراء؟
اصبح الآن مشهد الاصطفافات المقبلة بين التيارين واضحاً حيث أنّ التيار الإصلاحي سيتمحور حول الرئيس رفسنجاني وبدعم من الرئيس روحاني وحسن خميني حفيد الإمام الخميني، والتيار المحافظ سيلتف حول عدد من رؤوسهم من أمثال مصباح يزدي وأحمد جنتي ومحمد يزدي .
لا يوجد مهرب من الهزيمة للتيار المحافظ في تلك الإنتخابات المزمع عقدها في كانون الأول العام المقبل ، إلا قيام مجلس صيانة الدستور برفض طلبات الترشح للمرشحين الإصلاحيين ، بحجج واهية، وتحويل الانتخابات إلى كوميديا سيرفض الشعب مشاهدتها والمشاركة فيها، ولكن التيار المحافظ المتشدد مستعد لفرض تكاليف باهظة على النظام وخسارة ثقة الشعب، إذا كان الثمن سيكون الفوز في تلك الإنتخابات.
المحافظون المتشددون الآن يملكون الأغلبية في مجلس الخبراء، ويحاولون الإحتفاظ بهذه الأغلبية في الدورة المقبلة ، وهم يعولون الآن على إخراج منافسيهم عبر رفض طلبات ترشيحهم ليفوزوا في معركة انتخابية غير ديمقراطية .
فهل يترك المرشد الأعلى المجال مفتوحاً أمام مجلس صيانة الدستور لرفض ترشح المعتدلين والاصلاحيين لمجلس الخبراء أم يتدخل لصالح انتخابات نزيهة وديمقراطية؟
من المرجح أنه لا يتدخل وسيترك المجال لمجلس صيانة الدستور.
والإثارة ستكون في مواجهة الشيخ رفسنجاني تلك الأزمة بأساليبه الخاصة ومن المؤكد أنه لن يلتزم الصمت وسيلقي ضربة موجعة على المشايخ الذين رفضوا طلب ترشحه في الإنتخابات الرئاسية وسيرفضون مناصري رفسنجاني إن لم نقل إنه يجددون رفض ترشحه أيضاً.