كان يمكن أن يكون توم فلتشر سفيراً إضافيّاً يقيم في لبنان لسنوات ثمّ يغادره لوظيفة جديدة في بلدٍ آخر. إلا أنّ الرجل أبى أن يغادر وطننا من دون أن يصفعنا!
أثبت السفير البريطاني توم فلتشر بأنّه أكثر حبّاً للبنان من الكثير من أبنائه، وخصوصاً من سياسيّيه. عبّر عن ذلك مراراً أثناء إقامته، وها هو يعبّر، أصدق تعبيرٍ عن ذلك، في وداعه. وكأنّه اختار أن يصفعنا، علّنا نستفيق ممّا نحن فيه.
قام توم فلتشر بـ "رحلة وداع" على مدى ثلاثة ايام سيراً على الأقدام من البترون في الشمال الى بيروت، مروراً بجبيل وجونية والضبية، متجولاً في الأزقة الضيقة وفي المعالم الاثرية والدينية.
وهذا الديبلوماسي الشاب والحيوي الذي اعتقد انه "صغير جداً على مهمة في لبنان الصعب لأكتشف انني عجوز جداً"، وضع في رسالة So…Yalla، Bye التي صارت "حديث" الوسط السياسي والإعلام اللبناني الإصبع على الوجع اللبناني معبّراً عن إدراك عميق لـ "فكرة لبنان" التي دعا اللبنانيين الى "ان يقاتلوا من اجلها لا ان يتقاتلوا حولها".
ورغم وصْفه بعض السياسيين في لبنان بـ "الاوليغارشيين"، الا ان فلتشر أكد ان لبنان الذي سيذكره "لا يطلب المساعدة بل الاوكسيجين، لا يختلف اهله حول الماضي بل يتجادلون حول المستقبل، لا يلوم العالم بل ينخرط فيه"، مستعيناً بعبارة جبران خليل جبران "لكم لبنانكم ولي لبناني" ليقول انه "حين التهب الشرق الأوسط، وعلق الناس بين الطغاة والارهابيين، لبنان الباقي في ذاكرتي هو مَن أرسل جنوده إلى الحدود، وواجه إحباطات يومية ليحافظ على الأعمال وليتعلم الأطفال، وأظهر كرم ضيافة مميزاً تجاه القادمين إليه، أكانوا سفراء أو لاجئين".
ولم تمرّ رسالة فلتشر من دون "سخرية هادفة" مرّرها على طريقته اذ قال: "رصاص وبوتوكس، ديكتاتوريون وديفا، أمراء حرب وواسطة، ماكيافيلي والمافيا، "غايم أوف ثرونز" مع "آر بي جي" حقوق الانسان وحقوق الحمص، أربع سباقات ماراتون، 100 تدوينة، 10 آلاف تغريدة، 59 لقاء مع رئيس الحكومة، أكثر من 600 عشاء، 52 خطاب تخريج، حفلان لمبادرة "وان ليبانون" تبادل وظيفي مع الخادمة، مسير على طول الساحل اللبناني، طيران فوق حدود لبنان الشمالية لأراقب كيف يحمي الجيش اللبناني السيادة اللبنانية، حتى أنني تلقيت دعوة لعملية شدّ الردفين، لكن هذه الهدية تتجاوز سقف 140 جنيها المقبولة كهدية، فاضطررت إلى رفضها".
وبعدما اعتبر انه حان وقت الازدهار في لبنان وليس مجرّد "البقاء على قيد الحياة"، ختم واصفاً هذا البلد بانه "جوهرة مجنونة" دعاها الى ان "تشعّ"، ولافتاً الى ان "كل ما حاولتُ فعله خلال مهمتي كان ان أمسك المرآة وأحاول إظهار كم ان هذا البلد جميل".