وقّع وزير الدفاع سمير مقبل ليل أمس قرار تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الأعلى الدفاع اللواء محمد خير. ولم تخرج خطوة مقبل ليلاً عن سياق «أجواء التمديد» التي عاشتها وزارة الدفاع صباحاً، وترافقت مع تعليق صور لقهوجي في بعض المناطق، فضلاً عن الأجواء «السلبية» التي طغت على جلسة مجلس الوزراء، على رغم الهدوء الذي ساد السرايا الحكومية.
وكان وزير الدفاع قد سار خلال الجلسة على الخطى التي توقّعها «المتشائمون» بطرحه أسماء عددٍ من الضباط لخلافة قهوجي وسلمان وخير، مع علمه المسبق بغياب التوافق واستحالة الاتفاق على الأسماء خلال الجلسة، ما يضع التمديد للثلاثي خياراً وحيداً بذريعة منع وقوع الفراغ في المناصب العسكرية.
ومع أن وزير الخارجية جبران باسيل، الذي اعترض على طرح مقبل الأسماء في الجلسة قبل التوافق، طلب من المجتمعين فتح المجال أمام التسوية التي جرى الحديث عنها في اليومين الماضيين وتولّى تسويقها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وتقضي بتعديل قانون الدفاع الوطني ورفع سن التقاعد للضباط ثلاث سنوات، إلّا أن مقبل بإصراره على تمرير الأسماء وصولاً إلى التمديد، بدا واثقاً من عدم وصول التسوية إلى أي أفق. ويقول أكثر من مصدر وزاري إن الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، دفع في اتجاه اتخاذ قرار التمديد لقهوجي وخير مع سلمان، قطعاً للطريق أمام التسوية، فضلاً عن رفض قهوجي لرفع سن التقاعد لما يسبّبه من تخمة في عدد الضباط الكبار. علماً أنه كان في إمكان مقبل التمديد لسلمان وحده وترك المجال مفتوحاً أمام إمكانية الوصول إلى تسوية.
التيار الوطني الحر: التمديد
سيقابل بتصعيد كبير والجنرال
لن يتراجع
اندفاعة سليمان ومقبل لا تقع في خانة سعي الرئيس السابق إلى لعب دورٍ سياسي عبر بوابة وزارة الدفاع فحسب، إذ يؤكّد أكثر من مصدر وزاري أن تيار المستقبل «لا يريد تحقيق أي تسوية الآن مع عون»، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة «كان مندفعاً لتحقيق التسوية... لكنه تراجع من دور مبرّر».
وتذهب مصادر بارزة في تيار المستقبل إلى حدّ القول إن «الأجواء الإقليمية والدولية لا تسمح بإعطاء عون أي حصّة في الجيش، ولا في رئاسة الجمهورية، بل المطلوب تحجيمه في معركة كسر عظم». وتضيف أن مروحة من الاتصالات أجراها المستقبل، أمس، شملت النائب وليد جنبلاط وسليمان والنائب سامي الجميّل والرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه برّي، بالإضافة إلى لقاء داخلي لفريق المستقبل، حضره مستشار الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب السابق غطاس خوري بعد جلسة مجلس الوزراء وقبل جلسة الحوار مع حزب الله في عين التينة، أدت إلى «مضي المستقبل في قرار المواجهة مع عون».
وتقول مصادر في التيار الوطني الحر وأخرى في قوى 8 آذار إن «المستقبل لا يزال ينتظر الحلول في الإقليم وتبدّل التوازنات الإقليمية والميدانية في سوريا، ويعكس نيات المملكة العربية السعودية بالتصعيد في لبنان وعرقلة أي حلول في انتظار تغيّر ما».
مصادر في التيار الوطني الحرّ أكّدت لـ«الأخبار» أن «التكتل لم يكن يملك معلومات مؤكّدة عن نية مقبل التمديد، لأنه كان لا يزال هناك نقاش حول التسوية وتعديل قانون الدفاع»، مؤكّدة أن «التمديد سيقابل بتصعيد كبير، والجنرال عون لن يتراجع». علماً أن باسيل كان قد بدأ بإشاعة أجواء سلبية بعد ظهر أمس في شأن عدم وصول إلى تسوية، فيما اتهم النائب زياد أسود عبر قناة «الجديد» مقبل بارتكاب «جرائم مالية»، وكشف عن «قرار ظني في حقه صادر عن الهيئة الاتهامية في جبل لبنان عام 2006 بجرم الاحتيال والتزوير ومعلومات عن رفضه رفع السرية المصرفية وتهربه من الضرائب وملاحقة القضاء العراقي له قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين».
موقف المستقبل يعكس
نوايا سعودية بالتصعيد في انتظار تغيّرات المنطقة
وعلى رغم ذهاب مقبل بعيداً في استفزاز عون وتنفيذ مآرب تيار المستقبل وسليمان، إلّا أن حصر التمديد بعامٍ واحد بدل عامين، كما كان متوقعاً، يترك بحسب مصادر وزارية مجالاً للسير في تسوية رفع سنّ التقاعد ثلاث سنوات، فيكون أمام قهوجي عامٌ واحد إضافي من أصل السنوات الثلاث التي أمضى منها عامين حتى الآن، بدل أن يغلق باب التسوية نهائياً بالتمديد لقهوجي عامين كما كان يطمح الأخير. ومن المتوقع أن تبدأ أيضاً معركة موقع مدير المخابرات، وتكرار سليمان ومقبل سيناريو التصعيد.
تسوية تعديل قانون الدفاع الوطني، التي تحتاج إلى توافق في مجلس الوزراء ثمّ توافق على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، لم تكن التسوية الوحيدة المطروحة. إذ فتح النقاش أيضاً حول تعديل قانون الدفاع لرفع عدد الضباط الألوية في الجيش من أربعة إلى ثمانية، بإضافة لواءين مارونيين، ولواء سني وآخر شيعي، ويكون العميد شامل روكز واحداً منهم. إلّا أن عون لم يوافق على هذا الحلّ، وكذلك روكز الذي يرفض اقتراحاً آخر بترقيته وحده، لما يسببه له ذلك من إحراج داخل المؤسسة العسكرية.
وبمعزلٍ عن صاحب فكرة «التسوية» التي لم تصل إلى نتيجة، فإن أكثر من مصدر في التيار الوطني الحرّ أكّد لـ«الأخبار» أن عون لم يكن ليوافق على السير في التسوية لولا أن وصلت إليه إشارات إيجابية بأن غالبية القوى لا تعارضها، وخصوصاً المستقبل، بينما تقول مصادر المستقبل إن عون هو من اتصل باللواء إبراهيم عارضاً فكرة إعادة البحث بتعديل قانون الدفاع، بعد أن «وصل مرغماً إلى القبول بأي شيء». إلّا أن النتيجة، هي عدم تمكّن عون من تحقيق ما سعى إليه طوال الأشهر الماضية، مع إصرار فريق المستقبل على دفعه نحو التصعيد.
التصعيد المحتمل من قبل عون، بدءاً من اليوم، في ظلّ وجود الرئيسين بري وسلام خارج البلاد للمشاركة في احتفال افتتاح قناة السويس الجديدة في مصر، دفع العديد من السياسيين إلى التعبير عن قلقهم من مآل الأوضاع وانعكاس التصعيد شللاً حكومياً تاماً وتضاؤل فرص إعادة فتح مجلس النواب مع تفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية، وأزمة النفايات التي استمهل سلام الوزراء أمس أياماً لتقديم تصور شامل عن الحلول الممكنة، مروراً بأزمة الكهرباء التي تتفاقم وأزمة رواتب القطاع العام المتوقعة في أيلول، وكأن البعض، بحسب عدد من السياسيين، «يريد أن يوصل الكيان اللبناني إلى الإفلاس، لجعله عرضة لانعكاسات ما يجري في الإقليم، بدل خلق مناخات إيجابية في انتظار الحلول».