بين رواتب القطاع العام لشهر أيلول، وأزمة انقطاع الكهرباء، وأزمة النفايات وأزمات الملفات الأخرى، تزداد قناعة اللبنانيين بضياع دولتهم بدءاً من رأسها مروراً بمؤسسة مجلس الوزراء وصولاً إلى الوزارات والمؤسسات الأخرى .
ومع الإستمرار في حرمان غالبية المناطق اللبنانية من الكهرباء ، بالرغم من موجة الحر التي تتعرض لها البلاد، أطلّ علينا وزير الطاقة ليؤكد المؤكد وهو فشل الدولة في معالجة الحد الأدنى من حاجات المواطنين وحصولهم على أبسط حقوقهم في هذه الظروف المناخية الإستثنائية التي تسيطر على لبنان .
عندما يعلن الوزير المختص إستقالته من مسؤولياته، وعندما يعلن فشله في معالجة المشكلة حري به أن يستقيل خصوصاً وأنّ أحداً من اللبنانيين لم يطلب منه أن يأتيَ بالكهرباء من " بيت بيو " .
إنّ هذه اللغة أقلّ ما يمكن أن يقالَ فيها أنها استخفاف بعقول اللبنانيين بالدرجة الأولى، وإساءة كبيرة لموقع المسؤولية التي يتبوؤها معالي الوزير الذي يعتبر دستورياً وقانونياً مكلفاً بمعالجة المشكلة ومسؤولاً عن حدوثها، وأما أن يلجأ إلى الهروب من مسؤولياته وإلقاء التهم حول أزمة الكهرباء هنا وهناك، فإن ذلك يعتبر فشلاً ذريعاً في تحمل المسؤوليات ينبغي أن يقوده إلى تقديم استقالته خصوصاً وأنّه أثبت بذلك أنّه ليس جديراً بتحمل هذه المسؤوليات وأقلها العمل على إصلاح الأعطال التي أدّت إلى أزمة الكهرباء .
إنّ هذه اللغة السوقية التي يخاطب بها وزير في الدولة الرأي العام اللبناني ، تنمّ عن المستوى الرخيص الذي وصل إليه بعض الوزراء في هذه الحكومة الضائعة، بل هو مؤشر خطير على تدني مستوى العلاقة بين المواطن اللبناني ودولته .
في جانب آخر وتأكيداً على ضياع الدولة واستقالتها من أدنى مسؤولياتها طالعتنا صحف اليوم بأزمة جديدة تلوح في الأفق كشف عنها الوزير علي حسن خليل الذي قال في تصريح له لصحيفة السفير أنّ لديه خشية من عدم إمكانية دفع تعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد ، للموظفين المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، ما لم يتم فتح اعتماد إضافي من قبل مجلس الوزراء أو مجلس النواب.
إنّ هذه الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلاد دون أدنى معالجة لأي منها مؤشر على ما وصلت إليه البلاد من الإهمال واللامبالاة، ومؤشر على استقالة الحكومة من مسؤولياتها بشكل كامل، الأمر الذي يفرض على هذا الشعب وعلى كل لبناني أن يقول كلمته ويعبّر من خلال القانون عن رفضه لهذا الواقع الذي يفرض عليه عنوةً، ولكن مع الأسف فإنّ هذا الشعب لا يقوم ولا يتحرك إلا بإذن الزعيم السياسي أو الطائفي، وهذا الزعيم نفسه هو الذي شاء أن تصل حال البلاد والعباد إلى هذا الحد من الإهمال والتردي .