تعمّد الرئيس نبيه بري في رحلته الايطالية أن يقفل كل الهواتف ويقاطع جميع نشرات الأخبار، لحماية إجازته السنوية من أي "فيروس"، موزعاً وقته بين السباحة والمشي وزيارة المعالم الأثرية.
لكن، ما إن وطأت قدما بري أرض مطار بيروت، حتى بدأ مفعول الإجازة يتلاشى، تحت وطأة الملفات المتراكمة التي كانت في انتظاره. ويروي بري لصحيفة "السفير" كيف أنه صادف أثناء رحلته الى مدينة نابولي الايطالية، العام الماضي، أكواماً من النفايات في الطريق، ما تطلّب من سائق سيارته أن يقود بشكل متعرّج حتى يتمكّن من المرور، "لكن بعد وقت قصير، سارع الجيش الإيطالي بطلب من الحكومة إلى جمع النفايات وإزالتها".
ويضيف بري : أنا لا أقول إن المطلوب من الجيش اللبناني أن يزيل النفايات، إذ إن ما فيه يكفيه، إنما المقصود أن الدولة معنية بأن تحسم أمرها وتتصرّف بحزم، على أن تتولى قوى الجيش والأمن الداخلي تأمين التغطية الميدانية لأي قرار، فإما أن تكون هناك هيبة للسلطة أو لا تكون.
الأمر الآخر الذي يُزعج بري كثيراً هو أن اللبنانيين فقدوا زمام المبادرة على مستوى معالجة أزمة الشغور الرئاسي وتداعياتها، مشيراً الى أن "اللبننة انتهت كلياً، والحل أصبح خارجياً بامتياز". ويلفت بري الانتباه للصحيفة الى ان نضوج الحل المفترض يحتاج الى بضعة أشهر، في انتظار أن يكون الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى قد أخذ مداه، معرباً عن اعتقاده بأنه عندما يُقرّ هذا الاتفاق في الكونغرس، ويصبح نافذاً بمعايير الادارة الاميركية، "ستبدأ مفاعيله بالظهور تباعاً، وسيقف الجميع في الصف".
ويشير رئيس المجلس إلى أن اللبنانيين لا يكتفون بالتخلي عن مسؤولياتهم في معالجة أزماتهم، بل هم حتى لا يبذلون جهداً لتحضير الأرضية من أجل ملاقاة أي فرصة خارجية مؤاتية للحل، "وليس تعطيل مجلس النواب وشل الحكومة سوى نموذج على هذا السلوك العبثي". وعلى قاعدة السعي الى حصر خسائر الوقت الضائع، يبدو بري مصمماً على ان يخوض من الخطوط السياسية الأمامية، معركة الدفاع عن بقاء الحكومة، كما يُستنتج من مضمون المكالمة الهاتفية التي حصلت بينه وبين الرئيس تمام سلام، في أعقاب العودة من السفر. اتصل سلام ببري لتهنئته بسلامة العودة، فوجدها رئيس المجلس فرصة ليؤكد حرصه على “سلام” الحكومة وسلامتها، إذ توجه الى رئيسها بالقول: “دولة الرئيس.. أنا أضع نفسي مكانك، بل تستطيع أن تعتبر أنني.. أنت”.
وبحسب الصحيفة، عندما التقى بري بنواب لقاء الأربعاء، في الاسبوع الماضي، وكان من بينهم أعضاء في "التيار الوطني الحر"، شدّد أمامهم على ضرورة حماية سلام وليس حشره، لافتاً انتباههم إلى أن "فريق 8 آذار" والعماد ميشال عون يجب أن يكونا الأحرص على رئيس الحكومة الذي أظهر قدراً عالياً من المرونة في سلوكه، "وإذا وُجد من يرغب في إزاحته او الضغط عليه، فينبغي ان يكون الفريق الآخر، وليس أحداً منكم". ويؤكد بري أن "على كل من يهمه الامر ان يعلم أنني وسلام واحد، وبالتالي فإن خيار استقالته مرفوض، ومن يدفع في هذا الاتجاه إنما يدفع نحو الخراب".
ويتابع: "انطلاقاً من خبرتي وتجربتي مع رؤساء الحكومات السابقين، يمكنني تأكيد أن تمام سلام هو الأفضل بينهم، لكن للأسف فإن البعض ممن يتحمّس لسقوطه لا يزال يحتاج إلى الكثير حتى يصبح متمكناً في السياسة". ويستغرب بري كيف أن العماد ميشال عون لا يزال يصرّ على اعتبار مجلس النواب الحالي غير شرعي، بسبب التمديد، وفي الوقت ذاته لا يجد حرجاً في ان يطلب من هذا المجلس انتخابه رئيساً للجمهورية.
ويضيف: أنا شخصياً لا أقبل هذا المنطق، وأرفض التصويت لمن يقول عني إنني غير شرعي، وإذا كان الجنرال يريد أن يتمسك بهذا الطرح، فأنا من جهتي أتمسّك باحترام كرامتي وكرامة المجلس.
ويشعر بري بغضب شديد حيال اقتراح احد وزراء "التيار الحر" طمر كمية من النفايات في بلدة المعيصرة الشيعية الواقعة في كسروان، مستعيداً كيف أنه طلب خلال الانتخابات النيابية الماضية من مناصري حركة "أمل" في المنطقة أن يبذلوا أقصى جهدهم كي تصبّ اصوات جميع الناخبين الشيعة في لائحة عون، وهذا ما حصل بالفعل، "الأمر الذي جعل بعض المرشحين الكسروانيين المنافسين للجنرال يعاتبونني ويلومونني على هذا القرار".
ويتساءل: هل تُكافأ المعيصرة على موقفها برمي النفايات فيها؟
وهل هكذا يجري ردّ الجميل؟ وفي كل الحالات فإن هذه البلدة لن تكون مكباً للقمامة، سواء وافق رئيس البلدية أم لم يوافق. ويكشف بري عن أنه سبق له أن أبلغ السيد حسن نصرالله بأن "حزب الله" يجب أن يبقى الى جانب عون، وألا يخرج من تحالفه معه، مهما حصل، وبمعزل عن مسار العلاقة بين حركة "أمل" وعون، لأن هناك ضرورات وطنية واستراتيجية لهذا التحالف.
ويتابع: لا أزال عند هذا الكلام، إنما في الوقت ذاته، لا يجوز تحميلنا أكثر مما نحتمل، وهناك أمور غير مقبولة تحدث في بعض الوزارات والملفات التي يتولاها “التيار الحر”.