منذ زمن امتنع الرئيس نبيه بري وبملء إرادته عن المشاركة في الإحتفالات والمناسبات حتى أنّ مناسبة اختفاء الإمام الصدر لم يعد يحضرها وابتعد عن المؤتمرات الصحفية والمقابلات الإعلامية وهو بذلك ربح تجربته واحترم تاريخه وتصالح وتسالم مع مستقبله السياسي كشخصية استثنائية في الدولة وقيادة ومرجعية طائفية حكيمة وخاصة في الظروف الصعبة .
كان باستطاعة الرئيس نبيه بري أن يصعد المنبر ويطل من الشاشة ليلاً ونهاراً وله جمهور لا يكلّ ولا يملّ منه ، وأن تبقى برامج القنوات المحلية والفضائية مفتوحة على أحاديثه وصوره وهو يتقن فنّ الخطابة من جهة و"كريزما "الحضور الاعلامي من جهة ثانية إضافة إلى لهجته ونكهته الخاصة في الردّ على الأسئلة وطرح الإجابات .
بدا المجلس النيابي وبعد دخول صغار السنّ من فريقي 8 و14 آذار إلى ندوته صغيراً جداً أمام الرئيس بري بحيث انتفت صلة الزمالة والمقاربة بين شخصيّات المجلس سياسيّاً وقانونيّاً فكان أستاذاً بالنسبة إليهم كتلاميذ لا كرئيس بحكم الترتيب الإداري في المجلس لأعضاء أكفاء .
ربما يكون ذلك سبباً في ابتعاد الرئيس بري عن المباشرة السياسية بعد أن أصبحت الطبقة السياسية طبقة من صغار القوم وانطلاقاً من مقولة رُبّ ضارة نافعة إعتكف الرئيس بري عن الوعظ السياسي ولم يدخل لعبة الشحن الطائفي والمذهبي وهو بذلك أراح حركة أمل التي تعتبر الآن أكثر طرف سياسي هادىء وموزون على خلاف باقي الأحزاب ، فلا نسمع قيادي في حركة أمل متوتراً يتحدث بلغة السب والشتم و"الصباط "والرجل والقتل والتهديد والوعيد ، كما يفعل قياديو أحزاب 8 و14 آذار حتى أنّ تنظيم أمل وعلى اختلاف رتبهم هم الأكثر مسؤولية في المسائل الوطنية وغير معنيين بما يجري من صراعات خاضعة لحسابات إقليمية .
لولا ابتعاد الرئيس بري عن المباشرة السياسية لما كانت حركة أمل على هذا المثال ولعادت كما كانت حادة في عصبيتها الطائفية ، لقد عرف نبيه بري أنّ المرحلة تتطلب إطفاءً للحرائق فكان "الإطفائي " الوحيد في الزمن الذي يشعل فيه الجميع كبريت الحروب .
لم يشارك الرئيس بري لا في حرب سورية ولم تذهب حركة أمل لا إلى العراق ولا إلى اليمن ، بقيت على موقعها ودورها الوطني وهذا ما منح الرئيس بري صفة وطنية خاصة قدرّتها الجهات اللبنانية كافة .
ولولا ضرورة مُجاراة أمل لحزب الله في الموضوعات الدينية لما ذهبت حركة أمل دفعة واحدة تجاه الإحيائية المذهبية لتراث آمنت به كتجربة تاريخية فقط ، ولولا خوف الرئيس بري المتعدد الاستهداف لما كان تلفزيون NBN نسخة مُكررة عن تلفزيون المنار .
ماذا لو قرّر السيد نصرالله والشيخ الحريري والجنرال عون وغيرهم تقليد الرئيس بري في صمته "الأبلغ" من الكلام ؟
بتقديري أنّ الهدوء سيعم قلوب ومناطق الطوائف وبذلك يرتاح المذكورون من عناء الخطب اليومية ويريحون مجتمعاً أخذته حمية الخطابات إلى بدايات الحروب المذهبية لا نهايات سعيدة لها .