استغربت كيف ان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس المعروف بأنه رجل نضال طويل وشاعر حسَّاس وصاحب حسّ انساني يتفوّق على صغائر المراكز العامة وبهرجاتها المزيّفة، ترك شاباً قيد التوقيف، لمجرد أنه تعرّف الى وجهه من بين كل المتظاهرين الآخرين.

 

قلت له وهو يصل إلى جلسة مجلس الوزراء: بعد حملة التعاطف معك لأنك من القلائل الذين لا يستأهلون ردة الفعل التي تعرّضت لها من شبان غاضبين على دولة متقاعسة، لا تترك الرأي العام ينقلب ضدك بتوقيف طارق الملّاح، فأجاب: أنا لم أدع عليه ولا اتدخل بالقضاء الذي أوقفه، وحتى وان أخلى سبيله فلن أكون متضايقاً. هنا طحش عليه احد الزملاء وحمًله كامل المسؤولية، فأجاب درباس منزعجاً: "أنا اعتدي عليّ كمواطن، لأنني كنت كأي مواطن آخر في سيارتي. ولو كنت محاطاً بموكب وزاري كغيري لما تعرضت لهذا الاعتداء".

 

ولدى خروجه من الجلسة، بدا الوزير درباس منزعجاً. اعتقد الصحافيون أنّ السبب مشكلات في مجلس الوزراء. ولكن عند الاتصال به أوضح ان السبب ما سماه تهجم الصحافيين عليه، وقال: "ليضع كل واحد منكم نفسه مكاني دقيقة واحدة . أنا لا أعيّر بأنني ضد النضال لأن تاريخي النضالي يشهد لي. لأكثر من ربع ساعة وانا اسمع شتم المتظاهرين الذين استفردوا بي لمجرد انني لم أكن محاطاً بموكب أمني، واسمع الشتائم تنهال على والدي ووالدتي من العيار الثقيل. هل هذا هو الحراك المدني؟ هل التعبير عن الرأي، وانا احترم هذا الحقّ ولا يمكن لأحد ان يزايد عليّ بحرية التعبير، هل تكون حرية التعبير بشتم إنسان وبقذف ابشع العبارات بحق والدته ووالده؟ أنا حزين جداً لما آل اليه واقع البلد على المستويات كافة".

 

عذراً إنه عصر النفايات. لا حقّ عليك ولا على أفراد ولا على متظاهرين طبعاً. انه الحق على الروائح النتنة التي ندور كلنا في دوامتها وسينتهي الحكم عليها كما في كل الأحكام التي تصدر في بلدنا بأنها تختم دائماً بـالادعاء ضد فاعل مجهول.