بعيداً عن الإنقسام السياسي التقليدي بين ٨ و ١٤ آذار ، تبيّن بأنّ القواسم المشتركة بين هذين الفريقين المكونين للسلطة كثيرة خاصةً ، لجهة العقلية السائدة في طريقة الحكم وإدارة المؤسسات وعقد الصفقات والسمسرات، حيث كشفت أزمة النفايات بأنّ لا وجود لرجالات دولة في لبنان، أقلّه بين المشاركين بالسلطة، بل هناك رجال سلطة وتسلط ومافيات .
لا شيء أوحى خلال هذه الأزمة المستمرة منذ أسبوعين بأنّ هناك سياسيين يقدّمون المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة، فالبلاد غارقة بالنفايات وبيروت تختنق من الروائح الكريهة ودخان حرائق جبال الزبالة، وهم يستمرون في حياتهم كالمعتاد وكأنّ شيء لم يكن ، فالمسافر منهم إلى خارج البلاد ، لم يقطع سفره ويكلّف نفسه عناء المجيء إلى لبنان للمساهمة بحلّ هذه الأزمة المعيبة والخطيرة، ومن منهم في إجازة صيفية مع عائلته في إحدى المنتجعات في العالم أو في برجه العاجي في لبنان، لم يقطع فرصته ونقاهته من أجل التسريع في حل الأزمة .
لماذا يقطعون أسفارهم ونقاهتهم وهم وعائلاتهم لا يتنشقون رائحة النفايات ولا يعلقون في عجقة السير ولا يشعرون بالضيق مما يجري في بلدهم ؟؟
كيف يلتفتون إلى هموم الناس ومعاناتهم وهم بغنى عن الناس وعن أصواتهم حيث لا إنتخابات في الأفق؟ .
هذه اللامبالاة الفاقعة التي يبديها المسؤولون في لبنان مردّها إلى الإستغناء عن الناس وعن تأييدهم حالياً ، بعد أن طاب لهم التمديد لأنفسهم دون الرجوع إلى الشعب ودون صرف الأموال على الحملات الإنتخابية .
أزمة النفايات شكّلت فضيحة الفضائح لهذه الطبقة السياسية، المواطن العادي المتضرر من هذه الأزمة في صحته وعمله وصحة عائلته، إعتراه الخجل والقرف من أكوام النفايات في الشوارع، بينما المسؤولين يتصرفون ببرادة أعصاب وكأنّ النفايات من صنع الطبيعة ولا علاقة للسياسة وللسياسيين بها، يتحدثون عن الأزمة وكأنها بنت الأمس، وهي أزمة من عمر دخولهم عالم السياسة والصفقات ، عند تقاسم الغنائم تجدهم حاضرون وبقوة.
وعند الأزمات، يتهربون ويتنصلون وينسحبون كالشعرة من العجين .
شركة سوكلين تعمل في لبنان منذ عشرين سنة ، وهي لا شكّ تتحمل جزء من المسؤولية، لكن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق القوى السياسية التي شاركت في الحكم كل هذه السنوات ولم تنجح في إيجاد حلّ جذري لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي حوّلوها من أزمات عادية يمكن حلّها، إلى أزمات مستعصية كأزمة الماء والكهرباء والدواء والمقالع والكسارات والآن النفايات .
لم نشعر كمواطنين بأنّ المسؤولين متحمسين لحلّ هذه الأزمة أو مستعجلين على حلّها، وكأنّهم يمارسون لعبة عضّ الأصابع ، فالرئيس تمام سلام لا حول له ولا قوة ولا قدرة على إجتراح حلّ لوحده وهو المحاصر بقوى التعطيل من كل حدبٍ وصوب .
الرئيس سعد الحريري لم يحضر على جناح السرعة إلى لبنان لوضع حلّ لهذه الأزمة .
النائب وليد جنبلاط إنسحب من هذه المعمعة ووضع نفسه خارج الموضوع بعد الإعتراض الكبير من أهالي إقليم الخرّوب على إقامة معمل لفرز النفايات في سبلين .
الجنرال ميشال عون يشكو من إستبعاده من جنّة النفايات قبل عشر سنوات ويريد الدخول إلى جنّة النفايات من جديد مع تعويض وبمفعول رجعي .
الرئيس نبيه برّي يمارس دور المحايد ، حزب الله عايش في غير عالم، وأمينه العام السيد حسن نصرالله يفتش عن طريق القدس في القلمون والزبداني ، رئيس حزب الكتائب الجديد النائب سامي جميل صراخه لا يسمن ولا يغني ولا يحلّ أزمة .
أما الهيئات الإقتصادية التي لطالما دبّت الصوت وأطلقت الصرخة تلو الأخرى لإنقاذ الإقتصاد اللبناني وذرفت دموع التماسيح عندما كان الموضوع يتعلق بفرض بعض الضرائب على مؤسساتهم الإقتصادية والسياحية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، لم نسمع لها صوت في أزمة النفايات، على الرغم من أنّ هذه الأزمة ضربت صورة لبنان السياحية وضربت الموسم السياحي الذي يشكل العامود الفقري للإقتصاد اللبناني، والسبب أنهم جزء من السمسرات والصفقات التي تحصل .
الحركة الإعتراضية في الشارع، فشلت في إستقطاب الناس ولم تكن بحجم الأزمة ولم تشكل أي ضغط حقيقي على الحكومة، لأن الشعب اللبناني تمّ تقسيمه إلى شعوب وقبائل وعشائر طائفية ومذهبية متناحرة، وأزمة النفايات، زادت على الإنقسام السياسي والطائفي، إنقساماً مناطقياً كنا بغنى عنه.
النقابات غائبة أو مغيبة بعد أن نجحت الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة في إسكاتها وإخضاعها وشرذمتها .
أما الأحزاب التي تعيش خارجة جنّة الحكم، والتي من المفترض أن تشكل نواة لمعارضة حقيقية تعمل على التغيير نحو الأفضل ، فإنّها غارقة في أزمات سياسية وتنظيمية لا تنتهي ولا تبعث على الأمل .
التغيير بحاجة لتغيير موازين القوى لصالح الفئات المتضررة من هذا النظام الطائفي العفن، إلاّ أنّ موازين القوى ما زالت تميل لصالح قوى الأمر الواقع الطائفية ، والتغيير المنشود ليس في متناول اليد ، والثورة على هذا الواقع المأزوم ليست على الأبواب، ربما تأتي بعد جيل أو جيلين أو أكثر، ولكي لا نموت يأساً ، نقول الثورة آتية ولو بعد حين .