يبدو أنّ مسار الردود الداخلية على توافق فيينا النووي، في كل من إيران وأميركا واحد، إذ أنّ المعارضين للتوافق بعد مضي 22 يوماً من الإتفاق، وبعد 17 يوماً من إقراره الأممي ، لم يكفوا عن معارضته والإعراب عن قلقهم لتداعياته.
في الجانب الأميركي يبدو أنّ القلقين الجمهوريين، لم يتخلوا بعد عن علاقتهم العاطفية للعقوبات ضد إيران، ويلومون حكومة أوباما وخاصة جون كيري على الإستعجال في الحصول على الإتفاق مع إيران، وكان لافتاً أنّ سيناتوراً في مجلس الشيوخ ألقى باللائمة على كيري بسبب عدم اشتراط اعتراف إيران بإسرائيل على بنود الإتفاق، أو تخليها عن دعم حزب الله، مما ردّ عليه كيري بأنّ هذا التوافق لم يكن يتحمل أكثر من أن يحول دون حصول إيران على السلاح النووي .
وهكذا يقضي وزير الخارجية الأمريكي أياماً صعبة لإقناع زملائه السابقين في مجلس الشيوخ بجدوى الإتفاق .
أمّا في الجانب الإيراني يواجه محمد جواد ظريف أيضاً انتقادات شديدة من قبل الحرس الثوري والقلقين من النواب المحافظين ومن يتبعهم.
وتعود انتقادات الحرس إلى موضوع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تستمر العقوبات عليها لمدة 8 سنوات، وفور نشر نص التوافق أعلن قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري عن شبهات وشكوك وثم صعّد لينصح مجلس الأمن بعدم تضييع وقته بإقرار هكذا توافق، حيث أن إيران سوف لن تلتزم به .
ولكن قراءة عابرة لنص التوافق الذي أصبح منذ يوم الإثنين للأسبوع الماضي، قراراً أممياً ملزماً للجميع، يكفي للتنبه بأنّ استمرار العقوبات لن يشمل جميع الأنشطة الصاروخية الباليستية الإيرانية بل إنه يقتصر على تلك التي تتعلق أو يُزعم بأنها تتعلق بالصواريخ النووية، وذلك لأن الأووربيين لم يتفهموا فصل إيران بين الصواريخ الباليستية النووية وبين غير النووية منها، ويرى الأوروبيون أنّ إنتاج الصواريخ الباليستية لن يستهدف إلا حمل القبة النووية، ورغم ذلك قبلوا في توافق فيينا، بإستمرار العقوبات فقط على الصواريخ المخصصة لحمل القبة النووية، ورفع العقوبات عن الصواريخ الباليستية غير النووية .
وفور إصدار القرار الأممي أعلنت وزارة الخارجية الإيراني في بيان أصدرته إيضاحاً للقرار الأممي، أن الأنشطة الصاروخية الباليستية الإيرانية، لم تخطط لها لحمل السلاح النووي، وبطبيعة الحال إنّ العقوبات لن تشملها.
ولكن تلك التوضيحات والتصريحات لم تكن مقنعة للحرس الثوري الذي يصعب عليه فيما يبدو، الفصل بين الأنشطة الصاروخية النووية وغير النووية .
هذا وأعلنت إيران وتعهدت بأنّها لم ولن تتجه بإتجاه إنتاج السلاح النووي، وليس هناك داعٍ للقلق من القرار الأممي الأخير، فضلاً عن أنّ القرار السابق أي 1921 المتعلق بفرض العقوبات على إيران كان يقضي بمنع جميع الأنشطة الصاروخية الإيرانية ، ويمنح لبقية الأعضاء في الأمم المتحدة حق التدخل من أجل ردع إيران عن تلك الأنشطة!
ممّا يعني وضع إيران تحت الوصاية، بينما القرار الجديد لا يجعل إيران تحت الوصاية.
ليس هناك توافق مثالي كما صرّح بذلك محمد جواد ظريف في أول تصريح له بعد الحصول على التوافق خلال المؤتمر المشترك في فيينا، بأنّ هذا التوافق ليس توافقاً مثالياً لأي طرف في المفاوضات، ولكنه توافق جيد.
إنّ المتشددين من المحافظين الذين يرون بأنّ التوافق النووي، كان سيئاً، اعترضوا على زيارة لوران فابيوس لطهران، وبادر عدد منهم بالتجمع أمام مطار طهران الدولي رافعين لافتات اعتبرت فابيوس عميلاً لإسرائيل وفرنسا دمية للولايات المتحدة، في إشارة إلى التشدد الفرنسي في المفاوضات .
وكان رد فابيوس خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الإيراني صريحاً إذ اعتبر أنّ فرنسا تحترم إيران كما تحترم التوافق النووي، مضيفاً بأنّنا دفننا الخلافات في فيينا، معلناً عن بدء عهد جديد في العلاقات السياسية الإقتصادية مع إيران.
المحافظون المتشددون في إيران كما الجمهوريون في الولايات المتحدة لم يتركوا الساحة ، وبعد خسارتهم التوافق مستمرون في العرقلة أمام تنفيذه ولكن الرئيسين أوباما وروحاني يردان على المعارضة بالقول: وليس لديّ الخيار وليس لديك الخيار !