كشفت أزمة النفايات المستمرة في شوارع بيروت ومناطق جبل لبنان العديد من الحقائق حول الواقع السياسي في لبنان ، ومنها عجز النظام السياسي وفساده الكامل والمستوى الخطير لحالة الإهتراء في مؤسسات الدولة وفشل الأحزاب السياسية ومشاركتها في الفساد وعدم وجود وعي بيئي حقيقي لمعظم مكونات المجتمع إلاّ لعدد قليل من الناشطين .
لكن من ضمن الحقائق غير المباشرة التي كشفتها أزمة النفايات تراجع شعبية تيار المستقبل على صعيد الساحة الإسلامية وازدياد دور القوى والهيئات والحركات الإسلامية وفي مقدمهم الجماعة الإسلامية في هذه الساحة وخصوصاً في عكار وإقليم الخروب، بالإضافة لتشوّه صورة الحزب التقدمي الإشتراكي وزعيمه وليد جنبلاط على الصعيد الشعبي .
لكن سنركز في هذا المقال على مايجري على الصعيد الإسلامي بشكل خاص ، فبعد انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي التي جرت قبل فترة والتي أدّت لتقدم دور القوى الإسلامية والرئيس نجيب ميقاتي على الصعيد الإسلامي ، جاءت بعد ذلك أزمة التعذيب في سجن رومية وما كشفته من خلافات بين المسؤولين داخل التيار والصراعات فيما بينهم ، فإنّها ابرزت ايضا تقدم دور القوى والهيئات الإسلامية على الصعيد الشعبي وخصوصاً هيئة العلماء المسلمين والتيارات السلفية والجماعة الإسلامية وحزب التحرير، واضطر وزير الداخلية نهاد المشنوق للإنحناء أمام العاصفة وتقديم التنازلات للإسلاميين لإستيعاب الأزمة.
واليوم أتت أزمة النفايات وسعي تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي للتوصل إلى حلول لها عبر إقامة المطامر إمّا في عكار أو في إقليم الخروب أو في منطقة عين دارة ، لكن التحركات الشعبية في هذه المناطق وقفت في وجه هذه الحلول واندلعت الإعتراضات والإحتجاجات الشعبية وخصوصاً في إقليم الخروب وعكار، وبدا واضحاً أنّ الجماعة الإسلامية وبعض القوى الاسلامية هي التي تقف وراء تحرك رؤساء البلديات وأبناء المنطقة واضطر المسؤولون في تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي للتفاوض مع رؤساء البلديات للبحث عن حلول ووقف القرار بطمر النفايات في عكار واقليم الخروب.
لكن من الواضح لمن يتابع ردود الفعل الشعبية خصوصاً في عكار وإقليم الخروب يلحظ تراجع قدرة تيار المستقبل بالإمساك بالواقع الشعبي وضبط الساحة الإسلامية، ويضاف لذلك المعلومات والتقارير التي تنشر عن الأزمة المالية التي يعاني منها الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل وسعي المسؤولين السعوديين للإنفتاح على القوى الإسلامية في لبنان والمنطقة ولا سيما الإخوان المسلمين بكافة فروعهم ، ممّا يعني أنّ هناك تغيرات واضحة تحصل في الساحة الإسلامية ينبغي قراءتها والإلتفات إليها.
فمن وراء جبال النفايات وأزمتها والروائح الكريهة التي تنشرها هناك حقائق ومعطيات جديدة تكشفها يجب الإلتفات إليها أيضاَ لمعرفة ما سيحصل في المستقبل وعلى صعيد تيار المستقبل.