لم تتوصل اللجنة الوزارية إلى أي قرار يحل أزمة النفايات. واللاقرار يعني أن مناطق بيروت والضواحي وجبل لبنان مقبلة على أزمة نفايات أقسى مما شهدته طوال الأيام الماضية. فنفايات الضاحية الجنوبية تُجمع من الشوارع، وتوضع في حفرة استُحدِثت في عقار تابع لبلدية المريجة قرب حائط مطار بيروت. وهذه الحفرة لن تستوعب نفايات المنطقة إلا لأيام معدودة. وفي بيروت، المشكلة لن تكون أسهل. محافظ المدينة زياد شبيب أعلن أمس بدء رفع النفايات من الشارع. ويجري تجميعها في عدد من المواقع، أبرزها في الكرنتينا وقرب المرفأ وفي «مقبرة الباصات» عند حدود سن الفيل. وهذه المواقع لن تحتمل تكديس النفايات إلى ما لا نهاية. طاقتها الاستيعابية محدودة زمنياً بأيام أيضاً لا بأسابيع. وهنا تكمن الخطورة: ستتكدّس النفايات في بيروت والضواحي بصورة أبشع من ذي قبل، مع مجموعات تتحرك لإشعال النار في المستوعبات وما تجمّع حولها. والحل؟ غالبية أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة إدارة ملف النفايات يُظهرون عجزاً عن إيجاد حلول.
ما جرى بحثه أول من أمس عن إمكان نقل النفايات إلى كسارات ضهر البيدر وكسارات التوَيتة (قضاء زحلة) لم يجرِ التوافق عليه أمس. خيار التويتة سقط باعتراض مواطني القرى المجاورة، وبلدية مدينة زحلة القريبة من الموقع. هذه الأسباب لم تقنع جميع أعضاء اللجنة، فعبّر الوزير نهاد المشنوق عن استغرابه للقبول بوجود كسارات حفرت في الجبل حتى وصل ارتفاع الجدار الصخري «المنهوش إلى 120 متراً، أو ما يعادل مبنى من 40 طابقاً، فيما يُمنع استخدام هذه المنطقة الموبوءة لطمر النفايات وحل أزمة وطنية». خيار ضهر البيدر لا يزال متاحاً. رغم اعتراض أهالي عين دارة وعدد من البلدات الأخرى، أكّد وزير الزراعة أكرم شهيب أن النائب وليد جنبلاط متمسك بحل الطمر في كسارات ضهر البيدر، شرط وجود «شراكة» في مناطق أخرى. وبحسب مصدر في اللجنة، فإن جنبلاط مستعد لتحمل 2000 طن يومياً في ضهر البيدر، من أصل 2500 طن (يُجمع من بيروت والضواحي وأقضية الشوف وعاليه وبعبدا وكسروان والمتن نحو 3 آلاف طن يومياً، تعالج شركة سوكلين نحو 500 طن منها، فيما يُطمَر الباقي)، على أن يتحمّل قضاءا المتن وكسروان الكمية الباقية (500 طن). يوضح المصدر كلامه بالقول: «جنبلاط يضمن نقل نفايات بيروت والضواحي وجبل لبنان الجنوبي إلى عين دارة، على أن تتحمل «القوى المسيحية» مسؤوليتها بتوفير مطمر لنفايات المتن وكسروان في المتن وكسروان. بكلام آخر، جنبلاط يبدي استعداده لتحمل نفايات المسلمين، على أن يتحمّل مسيحيو جبل لبنان الشمالي نفاياتهم». عضو اللجنة الوزير الياس بو صعب لا يزال يؤكد صعوبة توفير مطمر في كسروان أو المتن، لكنه ـ بحسب أعضاء في اللجنة ـ يعطي إشارات إيجابية. أما على الأرض، فقرر بوصعب العودة لارتداء قبّعة رئيس البلدية، إذ باشر مع رؤساء بلديات الاصطياف في المتن البحث عن حلول موضعية، تؤمن جمع النفايات وإمكان حرقها وجمع الرماد في أماكن مؤقتة.
تيار المستقبل و14 آذار يحاولون حرف الأنظار عن أزمة النفايات إلى سرايا المقاومة
وبانتظار إيجاد حل لم يظهر في الأفق بعد، يراهن بعض أعضاء اللجنة على اجتماعها اليوم، في محاولة لإيجاد حل يجنّب البلاد أزمة أخطر.
وفي الإطار عينه، بدأ تيار المستقبل «حملة مضادة» يريد منها صرف الأنظار عن كونه المسبب الأول لأزمة النفايات، نتيجة توليه، عبر سوكلين، إدارة ملف النفايات في بيروت وجبل لبنان منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبأسعار خيالية، وبظروف بيئية مأسوية. وبدأ التيار والقوى المحيطة به الحملة بهدف امتصاص غضب جمهوره في بيروت وإقليم الخروب وعكار والبقاع، ولمحاولة إلهاء المواطنين عن أصل المشكلة القائمة في البلد، أي كارثة ترك النفايات في الشوارع. فعلى مدى يومين، أكثرت شخصيات مستقبلية، أو تدور في فلك التيار الأزرق، من إصدار البيانات المنددة بتهجّم متظاهرين غاضبين على سيارة الوزير رشيد درباس في بيروت، ورميهم بعض النفايات عليها. وتحوّل الاحتجاج قرب سيارة درباس مع الزعم بتوجيه متظاهرين شتائم لرئيس الحكومة تمام سلام ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة إلى حدث جلل يستأهل بيانات استنكار وتنديد، صدر أحدها عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وشخصيات سياسية ونواب وجمعيات ونقباء وهيئات أهلية واقتصادية وتجارية. وبلغت الذروة أمس في بيان عضو كتلة المستقبل النائب محمد كبارة، الذي رأى في ما يحصل تعدياً على الطائفة السنية «في أرضها وممثليها ومواقعها في السلطة»، متهماً سرايا المقاومة وحزب الله بهذا «التعدي». وتناسى كبارة أن الذي سبّب أزمة النفايات ليس سوى فريقه السياسي وحلفائه (جنبلاط ــ الحريري ــ السنيورة)، وأن من أراد نقل النفايات إلى المناطق التي يصنفها «أراضي الطائفة» ليس سوى التيار الذي ينتمي إليه. كذلك حاولت الأمانة العامة لقوى 14 آذار اللعب على الوتر ذاته، مغلفّة كلامها بالحرص على الدولة. وهي لم ترَ في أكوام النفايات مؤشراً على انهيار الدولة، بل وجدته في ما سمته الفلتان الأمني ولجوء عدد من الشبان إلى التظاهر أو إحراق مستوعبات النفايات، محملة المسؤولية أيضاً لحزب الله وسرايا المقاومة.
حكومياً، ورغم ما أشيع عن نية الرئيس سلام إعلان التوقف عن العمل الحكومي اليوم، أكد وزراء من مختلف الكتل السياسية أن جلسة مجلس الوزراء ستُعقد اليوم، وستكون هادئة، وستبحث في آلية العمل الحكومي. وتوقعت المصادر أن يرجئ سلام البحث في نهايتها إلى الأسبوع المقبل. وسيناقش المجلس أزمة النفايات، لكن من دون اتخاذ أي قرار.