قد يكون ما واجهه رئيس الوزراء تمام سلام في كارثة النفايات والأزمة الحكومية، أشبه بحصار محكم لم تقتصر أبعاده على تلازم الأزمتين وتسابقهما على حشره في الخيارات الصعبة فقط، بل أثارت مخاوف من إثارة اضطرابات اجتماعية سرعان ما تلبس لبوس الخلفيات الطائفية والمذهبية والمناطقية. ولم يكن أدل على ذلك من المشهد الفوضوي العارم الذي شهدته امس مناطق عدة من بيروت وخارجها في ظاهرة انطلاق مجموعات من الشبان على دراجات نارية عملت على رمي اكياس النفايات او اضرام النار في أكداس النفايات، وأماكن تجميعها. ولم يسلم من هذه الظاهرة محيط دارة الرئيس سلام في المصيطبة، كما شملت وسط بيروت قرب مبنى "النهار"، كما قطعت ليلاً طرق وشوارع عدة أخرى بالنفايات.
وفي المقلب الآخر من المشهد الفوضوي، حوصرت جهود الرئيس سلام مع لجنة ادارة النفايات الصلبة التي ضمت ثمانية وزراء واجتمعت مرتين في السرايا ظهراً ومساء بسلسلة محكمة من الفيتوات المناطقية التي تعاقب اطلاقها رفضاً لأي حل موقت لأزمة النفايات في بيروت يلحظ نقلها الى مناطق عدة، الأمر الذي دفع الأزمة في أسبوعها الثاني الى مزيد من التفاقم بدت معه بيروت مهدّدة فعلاً بأن تصبح مدينة موبوءة جراء تراكم جبال النفايات واتساعها وعدم القدرة على منع عمليات احراقها وسط الأحياء وما يسببه كل ذلك من آثار وأخطار بيئية وصحية. وبينما سجلت نقطة انفراج وحيدة نهاراً تمثلت في فتح الخط الساحلي في منطقة الجية بعد نحو 30 ساعة من اقفاله، لم ينسحب الأمر على المعالجات المطروحة لنقل النفايات موقتاً من بيروت الى اقليم الخروب ولا الى أي منطقة أخرى، إذ كرت سلسلة المواقف الرافضة لاتحادات البلديات لهذه الخطوة باستثناء تطوع بلدية عرسال لعرض نقل النفايات الى منطقة جردية فيها.
وفي ما يشبه جلستين طارئتين لمجلس وزاري مصغر انعقدت لجنة ادارة النفايات الصلبة ظهراً برئاسة الرئيس سلام، ثم عادت الى الاجتماع في الثامنة مساء بعدما طرحت مجموعة اقتراحات استلزمت عودة الوزراء الى مراجعهم السياسية. وشارك في الاجتماعين وزراء الطاقة والمياه آرتور نظريان، الزراعة اكرم شهيب، المال علي حسن خليل، التنمية الادارية نبيل دوفريج، الصناعة حسين الحاج حسن، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، البيئة محمد المشنوق، التربية والتعليم العالي الياس بوصعب. كما حضر رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر ورئيس المجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك.
اختراق؟
وفي ما يعد أول اختراق فعلي في هذه الأزمة الخانقة، أعلن وزير البيئة محمد المشنوق توصل اللجنة ليلاً الى اتفاق بالاجماع على مجموعة القرارات الآتية:
1 - اعطاء التعليمات للبدء فوراً بازالة النفايات من شوارع بيروت.
2 - توزيع متوازن لنفايات بيروت الكبرى وجبل لبنان باستثناء قضاء جبيل، على مواقع جديدة مستحدثة.
3 - انشاء غرفة عمليات متفرغة في مجلس الانماء والاعمار لمتابعة الخطوات التنفيذية.
4 - اقرار حوافز مالية للبلديات التي تقع المواقع المختارة في نطاقها.
5 - استكمال اجراءات تقويم عروض المناقصات المقدمة الى المناطق كما هو مقرر في 7 آب المقبل.
6 - مباشرة الاجراءات التنفيذية لاعلان مناقصة بناء مراكز للتفكك الحراري خلال شهر آب المقبل وتعاود اللجنة اجتماعاتها المفتوحة بعد ظهر غد.
وعلمت "النهار"، أن المشاورات انطلقت في جانبها التقني من الخطة التي أقرتها الحكومة في 12-1-2015 وهي تشمل كل مراحل جمع النفايات والتي طرأ عليها تعديل لجهة إعطاء الدولة سلطة تحديد الامكنة لطمر النفايات كي لا تدخل الشركات في بازارات على هذا الصعيد. والمبدأ الاساسي في هذه الخطة هو أن تتولى كل منطقة طمر نفاياتها بإستثناء بيروت التي توزع نفاياتها على كل المحافظات.
وعلمت "النهار" أن ثلاثة اقتراحات حلول عرضت على طاولة اللجنة الوزارية أولها قدمه رئيس مجلس الإنماء والإعمار يقضي بوضع النفايات موقتاً في مجرى نهر بيروت ورُفض كلياً. ثانيها عرض لتصدير النفايات بحراً وتبين أن الشركة مقدمة العرض لا خبرة ولا سوابق لديها في شحن هذا النوع من "الحمولة" ويمكن أن يكون مآل رحلاتها رمي هذه النفايات في عرض البحر. أما الإقتراح الثالث فهو الذي سبق لحزب الكتائب أن قدمه منفرداً ثم مع الإتحادات البلدية لجبل لبنان ويقضي بتحديد موقع موقت لجمع النفايات في كل قضاء، ريثما يتم تلزيم شركات جديدة وتبدأ معالجة النفايات التي تكون قد تكدست.
وعقّب وزير الصناعة حسين الحاج حسن بعد انتهاء اجتماع اللجنة بالقول: "أردت ان اعبر عن تقديرنا لجهود دولة رئيس الحكومة تمام سلام في معالجة ملف النفايات ورفضنا لبعض الممارسات التي حصلت في شوارع بيروت".
الجلسة في موعدها
في غضون ذلك، لم يطرأ حتى منتصف الليل أي عامل من شأنه ان يشير الى تأجيل جلسة مجلس الوزراء المقررة قبل ظهر اليوم كما تردد امس عقب اقتراح تقدم به الوزير وائل ابو فاعور باسم وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي. وعلم في هذا السياق ان معظم القوى الاخرى لم توافق على تأجيل الجلسة. وتوقعت مصادر وزارية أن تكون جلسة مجلس الوزراء اليوم محطة لعدد من القضايا الخلافية مثل آلية عمل مجلس الوزراء والتعيينات الامنية واللاجئين السوريين وغيرها. وفي الوقت نفسه ما زال الرئيس سلام يتلقى دعماً خارجياً مهمّا لكي يستمر في تحمل مسؤولياته ولا يقدم على خطوة تقديم الاستقالة. وفي هذا الصدد، علمت "النهار" أن إتصال الدعم الذي تلقاه من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تم قبل أيام وأعلن عنه امس. فيما أبلغ الفاتيكان عبر قنوات ديبلوماسية رئيس الحكومة أنه ينظر بإستغراب الى الانباء عن عزم الرئيس سلام على الاستقالة.
وفي السياق نفسه، تلقى رئيس مجلس الوزراء دعماً مماثلاً من الاتحاد الاوروبي ودول الخليج.
جولة مقبل
الى ذلك، قام امس نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل بجولة على العماد ميشال عون ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي تناولت موضوع التعيينات العسكرية.
وعلم من مصادر قريبة من الرابية ان وزير الدفاع وفي الدقائق الـ٢٥ التي أمضاها في زيارة العماد عون قال له: "أنا لم تشاور معك بعد لأننا لم نصل الى قيادة الجيش وما التشاور مع النائب جنبلاط الا لأننا وصلنا الى استحقاق تسريح رئيس الاركان في ٧ آب".
وأوضح مقبل أنه أمام عدم القدرة على التعيين يعمد الى خيار التمديد، وفي الموازاة يعمل على طرح آخر بتأجيل تسريح ضباط آخرين على قدم وساق، ملمحاًً الى امكان ترقية العميد شامل روكز الى رتبة لواء وتأجيل تسريحه.
وأشارت المصادر الى ان جواب العماد عون كان: ما لا نرضاه لغيرنا كيف نرضاه لأنفسنا بمخالفة للقانون والدستور؟ لماذا لا تسعى الى التعيين من خلال الإتيان بإضبارات للضباط المؤهلين للمراكز القيادية بدلاً من الذهاب الى مخالفة القانون؟
ورداً على ترفيع العميد روكز وتأجيل تسريحه، قال عون لمقبل إنه طرح يخصّه، مطالباً بألا يتحدّث أحد معه في طرح يتحفّظ أصلاً عن قانونيته.