في الجزء الثاني للقراءة الفنية والاجتماعية والدينية والسياسية والتاريخية لفيلم "أميرة الروم"، وهو فيلم ايراني يعرض سيرة حياة "مليكة" الأميرة الرومية المسبيّة التي أصبحت زوجة "الحسن العسكري"، الامام الحادي عشر عند الشيعة، قراءة عن الاجتزاءات والافتراءات في مشاهد "السبايا" و"التبرّؤ من المسيحية" وإخفاء كيفية إجبار مليكة على النطق بشهادتي الإسلام في الرواية الأصلية، المشكوك بها أصلاً.
2– السبايا: رأينا في الفيلم رجالاً ونساءً من المسيحيين يُستعبدون ويُباعون لمن يدفع أكثر، في مشهد يذكّرنا بأفعال داعش الهمجية في الزمن الحاضر مع النساء الأيزيديات اللواتي تمّ سبيهن وبيعهن لأغراض المتعة.
والفيلم في تعميمه هذه المشاهد يبدو كأنّه ينسب هذه الأفعال إلى المسلمين السنّة، الذين تمثلهم السلطة العباسية، ويسقطها على أفعال داعش الحالية. فهم من قتل ودمّر وسبى النساء، والشيعة من ذلك براء. بدليل الحوار الذي يدور في الفيلم بين الشيعي بشر بن سليمان وهو من أتباع الإمام علي الهادي، وأحد الموالين للسلطة العباسية (سنّي) إذ يقول بِشر: “لو كان الأمر بأيدينا – أي بأيدي الشيعة – لألغينا سوق النخاسة”، فيجيبه السنّي الموالي للسلطة مهدداً بما مفاده “يبدو أن بِشر لم تعد روحه عزيزة عليه”.
هاتان الجملتان اللتان أُقحمتا في قصّة الفيلم الهدف منهما فقط القول إن السبي “عمل سنيّ والشيعة منه براء”. مع أنّ مواظبة أئمة الشيعة على شراء السبايا من أسواق النخاسة يضفي شرعية على هذا العمل من دون شك. ويكفي أن نعرف أن سبعة من أئمة الشيعة البالغ عددهم اثني عشر إماماً، أمهاتهم من السبايا، كحال معظم أمهات الخلفاء العباسيين السنّة. ولو كان السبي مرفوضاً لدى الطائفة الشيعية آنذاك، على الأقل لكان الأئمة أوّل الممتنعين عن الشراء بدل الإقبال عليه مراراً وتكراراً، ولما كانت كتب المرجعيات الدينية الماضية تفيض بفتاوى ما يجوز وما لا يجوز في بيع وشراء السبايا (الجواري) وإهدائهن والتمتع بهن.
3 – التبرؤ من المسيحية: في أحد مشاهد الفيلم المعتمدة على أحلام “الأميرة” مليكة، ترى في منامها مريم العذراء تقول لها: “هذه السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد قد أتت لزيارتكِ”. فتسلّم عليها مليكة وتشكو إليها أنّ حفيدها الحسن العسكري (الذي تزوجته مليكة في منام سابق بعدما طلبها إليه النبي محمد من يسوع المسيح في المنام أيضاً) لا يزورها في المنام، فتجيبها الزهراء: “سيزورك عما قريب يا ابنتي”، ثم ينقطع الكلام. بعدها تقول الزهراء: “كرّري ورائي يا ابنتي”. وبعدها نشاهد تمتمة شفاه مليكة من دون أن نعرف بماذا تتفوه. نعود إلى القصة الأساسية لنبحث عن الكلام الخفي أو المحذوف قصداً من الفيلم لنجد أنّه، بحسب كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، وهو المصدر الأساسي للرواية، نجد ما يلي:
تقول مليكة: “فرأيت (في المنام) كأنّ سيدة النساء أي الزهراء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد عليه السلام (الحسن العسكري) فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد عن زيارتي (في المنام)، فقالت لي سيدة النساء عليها السلام: إن ابني أبا محمد لا يزورك (في المنام) وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإن ملت إلى رضا الله عزّ وجل ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد إياك (في المنام) فقولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فلمّا تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي.
فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السلام في منامي فرأيته كأنّني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك. قال: “ما كان تأخيري عنك إلا لشركك، وإذا قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة”.
وتقول الراوية على لسان الراوي بِشر بن سليمان إنّه أخذ مليكة بعدما اشتراها إلى حجرته في بغداد ثم أوصلها إلى بيت الإمام علي الهادي في سامراء. ويتابع قائلاً: “دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: كيف أراكِ الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية”؟
هكذا إذن هي القصة. ثم يقولون لك “قيماً مشتركة بين الإسلام والمسيحية وتعليم الأطفال قبول الآخر؟”.
إن القيمين على الفيلم، أولئك الذين حذفوا منه تبرؤ مريم العذراء من المسيحية وإشهار إسلام مليكة واستقبال الإمام علي الهادي لها بالسؤال عن النصرانية، لم يفعلوا ذلك من باب عدم القناعة أو تراجعاً عن الأخذ به، وإنما لعدم تناسبه مع الكلام المعسول الموجّه إلى المسيحيين، وحتى لا يُستفز المسيحيون حلفاء الشيعة في مواجهة التكفيريين السنّة.
أما وزير الثقافة اللبناني – المسيحي – ريمون عريجي الذي رعى حفل إطلاق العرض الأول لفيلم “أميرة الروم” فقد خرج مصرّحاً بأن لهذا الفيلم رسالة حضارية وإنسانية عن كيفية التعايش بين الأديان والرسالات السماوية، بحسب ما نقلت وسائل إعلام حزب الله ومواقعه الالكترونية المذكورة سابقاً.
لا أدري أين شاهد الوزير هذه الرسالة في سياق عرض الفيلم؟ هل رآها في مشهد قصف جيش المسلمين المدينة المسيحية وتدمير بيوتها وكنائسها؟ أم في بيع رجال المسيحيين ونسائهم في سوق النخاسة في بغداد؟ أم في تكملة القصة خارج الفيلم – الكلام المحذوف قصداً – حيث تتبرأ مريم العذراء من المسيحية؟
4 – أميرة الروم لا تهتم لمصير أهلها: رأينا في بداية الفيلم مليكة، أميرة الروم، مرهفة الإحساس ومتلهّفة للعدل ومطيعة لجدها القيصر قبل أن يهاجم المسلمون مدينتها ويأخذونها أسيرة. إلا أنّه بعد أسرها وبيعها لم نلحظ اهتمامها بمصير أهلها وجدها وأقاربها ومدينتها والكنيسة التي كانت تتعبّد بها، ولم تبدِ جزعاً ولا حزناً، وكأنها غير معنيّة بكل المآسي التي حلّت بهم.
(محمد الحاج)