دعك من تفاصيل النقاش السياسي، ومما طرأ على مسيرة حزب الله في السنوات الأخيرة من تحول استراتيجي، على الاقل في نظر جمهور واسع يمتد على مساحة العالمين العربي والاسلامي. فالحديث عن هذا التحول لم يأت من فراغ ولا لمجرد التحامل وإنما فرضته سلوكيات ميدانية. فقد تحول حزب الله من حزب مجاهد يقاوم الاحتلال الاسرائيلي كونه محتلاً وعدوًا مغتصبًا لأراض لبنانية، لا كون هذا العدو يشكل حجر عثرة أمام المصالح الايرانية في المنطقة. فالفارق واضح تمامًا بين الخلفيتين، فإسرائيل العدو للبنان والعرب هي ليست نفسها إسرائيل عدوة المصالح الإيرانية .
لأن التلازم بين الأمرين ليس سرمديًا، والثابت في الحالة الاولى هو غيره في الحالة الثانية التي يكون فيها محكومًا فقط لقاعدة المصالح. حيث لا ديمومة واستمرار في عالم مصالح الدول، وإن مساحة التقاطع الايجابي بالعداء لاسرائيل بين “المقاومة” من جهة وإيران من جهة أخرى، قد تضيق بلحظة مصلحية ترى فيها إيران أن مصالحها الآن قد لا تستوجب حالة العداء لاسرائيل. هذا إن لم نقل أن المهادنة والمجاراة لها قد تكون هي الوسيلة التي تراها إيران انجح لتأمين مصالحها.
فحزب الله قد نجح طيلة الفترة الماضية باللعب على تلك المساحة المشتركة من العداء الايراني واللبناني العربي لاسرائيل، واستفاد منها ليقدم نفسه على أنه حزب مقاوم مدعوم إيرانيا، واستطاع أن يحقق إنجازات لا يمكن لذي عينين أن ينكرها له، ليس أقلها تحرير جنوب لبنان، والمساهمة في دعم حركات المقاومة بالداخل الفلسطيني كالجهاد وحماس.
كما أنّه نجح إلى حدّ كبير باستمرار التلطّي خلف تاريخه المقاوم، حتّى وهو يدافع عن المصالح الايرانية بالمنطقة، وعند السعي لتحقيق مكاسبه الحزبية والسياسية التي يعمل عليها من أجل تقوية حضوره وبالتالي الحضور الايران عبر استعمال يافطة المقاومة والعداء لاسرائيل وخلفها اميركا طبعا.
فصوت الجنوبي والشيعي والبقاعي والبيروتي في الانتخابات النيابية اللبنانية كان “رصاصة في جعبة مقاوم”، ومرشحّو حزب الله لأصغر مجلس بلدي إنما هم “مقاومون” في مقابل أي لائحة أخرى تحتوي على آخرين يتحولون إلى مجرد “عملاء” حتماً. حتّى وإن كان من ضمن هؤلاء من هو خارج للتو من السجون الاسرائيلية كما جرى مع المناضل الشيوعي أنور ياسين، وكذلك هي الحال مع خصومه السياسيين. فكان يكتفي ببساطة أن يقدمهم على أنهم يريدون شرًا بالمقاومة أو بواحدة من ادواتها كشبكة الاتصالات ليصبح مباحا له أن يتجاوز كل الدساتير والنظم اللبنانية من أجل اسقاطهم وحتى نفيهم خارج البلاد.
بقى حزب الله طيلة هذه السنوات يمارس دوره الطبيعي كرأس حربة بالدفاع عن المصالح الايرانية، متدثرا بعباءة العداء لاسرائيل واميركا، هذه العباءة “المقدسة” التي يمكنها أن تستر خلفها اي موبقة مهما كبر حجمها واشتد وقعها، من معامل الكبتاغون مرورا بالاتجار بالادوية المزورة، واجتياح بيروت ووصولا حتى المشاركة بالقتال الى جانب نظام بشار الأسد
أمّا وقد جاءت لحظة الحقيقة، ونًزع عن أكتاف الحزب رداء العداء لاميركا ومن خلفها طبعًا ربيبتها اسرائيل، وصار لأي حديث عن مناهضة المشروع الاميركي بالمنطقة من قبل المحور الايراني هو اقرب ما يكون لمزحة سمجة بعد التوقيع على الاتفاق بين ايران والغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية… فإنّ هذا التوقيع جعل من حزب الله فجأة وحيدًا في مساحة مكشوفة تحت الشمس، وأمام عيون العالم. في وقت يحاول جاهدًا أن يعتاد على ما يخيط له الايراني من عباءة جديدة كبديل عن عباءة المقاومة، اسمها هذه المرة “محاربة الإرهاب“، فإن كنا اعتدنا على حزب الله بعباءة المقاومة الجميلة والرائعة، فمن غير المعلوم كيف سيبدو شكله الجديد بعباءته الجديدة.