في إطلالته التلفزيونية الأخيرة ، أعاد الجنرال ميشال عون تكرار اللازمة نفسها التي تقول "أنا أو لا أحد " ، ولن أخرج من معركة الرئاسة إلاّ رئيساً أو شهيداً "، ما يعني بأنّ حالة الفراغ والهريان ستطول ولن تنتهي في المدى المنظور .
موقف الجنرال هذا يستند إلى دعم وتأييد حزب الله الذي تأخّر كثيراً حتى أعلن أنّ الجنرال ميشال عون هو مرشحه لرئاسة الجمهورية، وكان لهذا التأخر أسبابه ومبرراته التي أعلنها أكثر من مرّة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وكان أبرزها أنّ تبني الحزب لترشحّ الجنرال عون ليس لمصلحة الأخير، لأن هذا التأييد سيجلب له المزيد من الرفض من الداخل والخارج ، وكان هذا التبرير مقنعاً للجنرال عون ، إلى أن جاء الوقت المناسب لإستخدام شبق الجنرال عون للسلطة من قبل حزب الله بهدف إطالة أمد الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى ريثما ينتهي من تورطه في الحرب السورية ، فأعلن حزب الله تبنيه لترشّح الجنرال عون، ولم يكتفِ بالتأييد، بل زايد على جميع مؤيدي وصول الجنرال عون لرئاسة الجمهورية بمن فيهم العونيين، حتى وصل الأمرّ بالشيخ نعيم قاسم أن توجه لقوى ١٤ آذار قائلاً :"إذا كنتم تريدون إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية، عليكم النزول إلى مجلس النواب وإنتخاب العماد عون رئيساً، وإلاّ الفراغ سيستمر" .
وهو يعلم بأنّ هذا الموقف سيلقى رفضاً مطلقاً من قبل قوى ١٤ آذار، وهذا الكلام هو الترجمة الحرفية والواضحة لشعار "عون أو لا أحد" الذي ينفيه التيار العوني نفسه .
فحزب الله لم يؤيد ترشيح العماد عون للرئاسة بسبب برنامجه الرئاسي، فالجنرال عون ليس لديه برنامج رئاسي أصلاً ولم يطرح ترشيحه على الشعب اللبناني حسب الأصول ، فهو يعتبر أنّ الرئاسة وجدت من أجله وبأنّ كل رؤساء الجمهورية الذي تعاقبوا على هذا المنصب منذ العام ١٩٨٨ إنما سرقوا منه الرئاسة وأنه آن الأوان لإسترجاعها بأي طريقة ومهما كان الثمن .
الذي يقف وراء تأييد حزب الله لترشّح الجنرال عون هو تركيبته المذهبية التي جعلته بحاجة لشخصية مسيحية لديها حيثية شعبية تؤيده وتؤيد بقاء سلاحه خارج كنف الدولة على الرغم من تحرير الجنوب في العام ٢٠٠٠ ، وتؤيد الحروب التي خاضها ويخوضها في الداخل والخارج، وبما أنّ الجنرال عون لديه حيثية شعبية عند المسيحيين ويؤيد كل سياسات حزب الله ويبرر حروبه ومغامراته منذ أن وقّع معه وثيقة التفاهم في ٦ شباط ٢٠٠٦، أصبح الجنرال هو مرشح حزب الله الرسمي لرئاسة الجمهورية ما دام يؤيد ويبرر كل ما يقوم به حزب الله .
أما إذا عدّل الجنرال عون بمواقفه وأعلن على سبيل المثال لا الحصر بأنه ضد تدخل أي حزب لبناني في سوريا بمن فيهم حزب الله ، فإن حزب الله سيسحب تأييده له كمرشح رئاسي وسيحاربه ويمنعه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية حتى ولو كان يمثل كل مسيحيي الأرض.
الجنرال عون أعطى حزب الله كل ما يريد من أجل الحصول على تأييد ترشيحه لرئاسة الجمهورية، والجنرال عون يرفض التفريط بهذا التأييد ويريد أن يفرض نفسه على قوى ١٤ آذار كمرشح وحيد فريد لا منافس له في هذه المعركة بحجة أنه الأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي، وهذا ضرب من المستحيل، فإذا أراد الجنرال عون فعلاً أن يكون مقبولاً من جانب قوى ١٤ آذار، أمامه خيارين لا ثالث لهما :
الأول: أن يتبنى مشروعها السياسي بالكامل كما تبنى مشروع حزب الله .
والثاني: إيجاد مشروع سياسي واضح ومتوازن يرضي كل الأطراف ويحظى بتأييد أكثرية القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي .
أما المبادرات الملتوية التي لجأ إليها الجنرال عون في السابق والتي تتعارض مع الدستور كإنتخاب الرئيس من الشعب أو إجراء إستفتاء أو إستطلاع أو إنتحال صفة المرشح التوافقي من دون أي تعديل بمواقفه السياسية الحادة والإستفزازية، كلها أساليب أصبحت مجرّبة وأثبتت فشلها .
بعبدا بحاجة لرئيس يجمع ولا يفرّق ، والجنرال عون بطبعه يفرّق ولا يجمع، وتاريخه وحاضره يشهدان على ذلك، والمعارك التي خاضها في السابق والتي يخوضها في الحاضر والتي لم يسلم منها لا خصم ولا حليف ولا حليف الحليف ولا صديق ولا حتى الشريك في نفس الفريق، خير دليل على أن الجنرال عون يصلح لكي يكون زعيم تيار جامح لا رئيس جمهورية جامع.