تجرّأت الحكومة في بداية جلستها أمس على تقديم اعتذار إلى الشعب اللبناني بلسان رئيسها تمام سلام، عن الصورة «غير اللائقة» التي قدمها المؤتمنون ــ من حيث المبدأ ــ على مصالح الشعب ومستقبله، بعد بثّ وسائل الإعلام شريط المناكفة والصراخ بين سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، في جلسة الحكومة ما قبل الأخيرة. لكنّ الحكومة لم تجد داعياً للاعتذار عن النسخ الجديدة المصغرة لـ«جبل نفايات» صيدا، التي باتت تحتل الآن كلّ شارع من شوارع العاصمة وتهدّد صحة المواطنين.
وبدل أن تعقد الحكومة جلسة مفتوحة لمعالجة الأزمة، وربما إعلان حالة طوارئ في البلاد لإيجاد حلول سريعة، طمأن وزير البيئة المواطنين بأنه «بعد 15 يوماً، ستتولى شركات موضوع النفايات في كل المناطق»! وتمّ تعيين جلسة جديدة لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء المقبل، مع استمرار تضخّم جبال النفايات، لتطمر معالم العاصمة!
إلّا أن تأجيل الجلسة لا يعدو كونه تأجيلاً للإشكالات والأزمات التي تنقسم القوى السياسية حولها بحدّة، تحت عنوان «آلية عمل الحكومة»، فيما يدرك الطرفان أن الانقسام الحقيقي ليس إلّا على ملفّ التعيينات الأمنية، بعدما وصل التيار الوطني الحرّ في موقفه إلى نقطة الـ«لا تراجع» وتيار المستقبل إلى نقطة الـ«لا تقدّم»، علماً بأن المشكل، كما يدرك الجميع أيضاً، هو انعكاس لإصرار الرياض على عدم التنازل للجنرال ميشال عون والمحور الذي يدعمه.
جاءت الجلسة التي دعا إليها رئيس الحكومة، بحسب مصادر وزارية، «هادئة... ولكن عقيمة، لأننا لم نتفق فيها على شيء: لا آلية ولا نفايات»، مشيرة الى أن «التهدئة تعود إلى تمنّيات وصلت إلى رئيس الحكومة من أطراف سياسية تطالبه بالتروّي».
لكن الهدوء وغياب المتظاهرين العونيين من محيط السراي وغياب المناكفات بعيداً عن التشنج الذي ساد الجلسة لا تعني، بحسب مصادر وزارية، تراجعاً عونياً عن مطلبي الآلية والتعيينات كما حاولت أن تشيع أوساط معينة، بل على العكس «لا يزال الموقف هو نفسه»، وكان لافتاً الموقف الذي عبّر عنه وزيرا حزب الله، لا سيّما الوزير محمد فنيش، الذي أكد أن «الحزب ليس مع إسقاط الحكومة، لكننا لن نتخلى عن حلفائنا»، مشيراً إلى أن «هناك فريقاً في البلد يعتبر أن هناك ظلماً وقع عليه منذ الاتفاق الرباعي عام 2005، ومطالبه محقة ومشروعة، ويجب إصلاح هذا الخلل».
الاعتكاف قد يكون فرصة
لتمرير «قطبة» التعيينات الأمنية من دون تحميل سلام مسؤوليتها
وقال «إننا قبلنا على مضض الآلية الحالية التي اتفقنا عليها بعدم تخطّي أيّ مكوّنين في الحكومة، ولذا فإن تخطّي هذه الآلية غير وارد بالنسبة إلينا». وقد أيّد الوزير علي حسن خليل كلام فنيش، مشيراً الى أن حركة أمل أساساً «مع تطبيق الدستور، ولكن يجب أن نمضي في ما اتفقنا عليه». وبدوره قال الوزير أكرم شهيب إن موقف الحزب التقدمي «مطابق» لموقف حركة أمل. وقالت المصادر إن كلام فنيش دفع بوزير مثل الوزير وائل أبو فاعور ــ الذي تقدّم في الجلسة السابقة الوزراء الذين تكفّلوا بالرد على وزيري عون ــ إلى التزام الهدوء، وطلب التمهل إلى حين إيجاد حلول.
وكان لافتاً أمس تلويح رئيس الحكومة بالاستقالة بقوله إن «الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات»، وهو ما رأت فيه مصادر وزارية «صرخة في وجه الجميع وليس في وجه الخصوم السياسيين فقط، خصوصاً أن النائب وليد جنبلاط وعده في وقت سابق بأن مطمر الناعمة لن يقفل، ليجد بعد نحو عشرة أيام البلد غارقاً في بحر من النفايات». وفيما لفتت المصادر الى أن تيار المستقبل، ومن خلفه السعودية، يتصدران لائحة الخاسرين في حال تمّ فرط عقد الحكومة الحالية، والى أن بقاء الحكومة لا يزال قراراً استراتيجياً إقليمياً ودولياً بدليل الاتصالات التي تلقّاها سلام أمس من سفراء تمنّوا عليه عدم الإقدام على خطوة كهذه، رأت أن رئيس الحكومة ربما يرى في الاعتكاف كحدٍ أدنى والاستقالة كحدّ أقصى، مخرجاً «لائقاً» له قد يدفع الجميع الى البحث عن تسوية سياسية، أو ربما تكون فترة الاعتكاف، قبل العودة عنها، فرصة لتمرير «قطبة» التعيينات الأمنية كما حدث في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أثناء فترة تصريف الأعمال، فلا يُحمّل سلام مسؤوليتها، علماً بأن مصادر وزارية في التيار الوطني الحر أكدت لـ»الأخبار» أن أول قرار ستبحثه الحكومة الحالية لدى انعقادها «ولو بعد سنة» سيكون موضوع التعيينات الأمنية.
وبالعودة الى الجلسة التي عقدت وسط إجراءات أمنية مشددة، تحسّباً لأي طارئ، فقد وفى رئيس الحكومة بوعده تخصيص الجلسة للبحث في الآلية الحكومية «وإذا تمّ الاتفاق عليها نسير بها، وإذا لم نتفق سنواصل البحث، ونرى إلى أين يُمكن أن نصل». وبالفعل وزّع سلام جدول أعمال فيه بند وحيد هو آلية العمل مع 18 مرسوماً للتوقيع. وافتتحت الجلسة بنقاش مستفيض أدلى فيه الوزراء بوجهة نظرهم في موضوع الآلية، و«ذهب الوزراء إلى تكرار آراء قالوها في جلسات سابقة»؛ فتحدث باسيل عن «تمثيل تياره 95 في المئة من الشارع المسيحي، وحق هذا التيار بأن ينتخب رئيساً للجمهورية منه». وسانده «وزيرا حزب الله فنيش وحسين الحاج حسن». لكن كلام باسيل عن التمثيل المسيحي لم يهضمه الوزير بطرس حرب الذي رفض «تكرار هذه السمفونية»، معترضاً على «محاولة العونيين احتكار الشارع المسيحي. فأين القوات والكتائب والمستقلون؟». كذلك رفض الوزير سجعان القزّي «زعم البعض تمثيله المسيحيين وحده». وبعد كلام فنيش عن «ضرورة موافقة مكوّنين أساسيين على القرارات»، رأى الوزير ميشال فرعون أن «هذا الرأي دكتاتوري»، فيما قال الوزير رمزي جريج «لا شيء اسمه مكوّنات رئيسية. الحكومة تستمدّ سلطتها من مرسوم تعيينها وليس من الشعب، وإلا كانت كل القرارات التي تتخذها غير شرعية».
من جهة أخرى، لفت باسيل، في مؤتمر صحافي في وزارة الخارجية، الى أننا «مضطرون إلى أن نوضح للرأي العام ما يحصل في جلسة مجلس الوزراء، لأن التسريبات غير مطابقة للحقيقة»، مشيراً الى «أننا اعتذرنا خلال الجلسة من اللبنانيين عن تصرف الحكومة إن كان بمخالفة الدستور والقوانين أو الأصول التي عمل عليها مجلس الوزراء، وقد سمعنا الكلام المسؤول من رئيس الحكومة تمام سلام ونقدّر موقفه، خصوصاً أن هناك نية لفتح صفحة جديدة. ونؤكد أن الصفحة الجديدة ليست شخصية مع سلام». ولفت الى أنه «في ظل غياب رئيس الجمهورية نحن لدينا وكالة عنه وقرارات مجلس الوزراء لا تستقيم إلا بالتوافق بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية».