ما كان سؤالاً مطروحاً عشية التئام مجلس الوزراء حول توجهات «حزب الله» إزاء التأزم الحكومي الحاصل، جاء جواب الحزب عنه بإبداء المزيد من التصعيد والتصلّب في تأييد النهج المكبّل لإنتاجية المؤسسة التنفيذية حتى ولو أدى إلى تطيير الحكومة. فالحزب الذي يشكّل البيئة الحاضنة للممارسات التعطيلية المتسلّطة على الدولة والممعنة في تهشيم مؤسساتها، حرص أمس على تسجيل جملة مواقف سواءً داخل جلسة مجلس الوزراء أو عبر كتلته البرلمانية تؤكد في مضامينها السياسية المضي قدماً في سياسة تقويض المعالجات الرصينة لأزمة الحكومة ما يشي باتجاهه خلف ستار دعم المطالب العونية نحو الإطباق على آخر المؤسسات «العاملة» في الجمهورية وإلحاقها بالرئاسة الشاغرة والبرلمان المعطّل. حيال ذلك وبعد نقاش عقيم مستفيض حول موضوع «الآلية» دام على مدى أكثر من ثلاث ساعات في مجلس الوزراء، خلص رئيس المجلس تمام سلام إلى إتاحة المجال أمام تمديد فسحة المناقشات في جلسة جديدة تُعقد لهذه الغاية الثلاثاء المقبل مشدداً وفق ما نقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» على كونه لن ينتظر حتى الخميس لبت النقاش، فإما يتم التوصّل إلى اتفاق حول عمل الحكومة الثلاثاء أو «لكل حادث حديث» في حال تعذر ذلك، وأردف موضحاً أنّ «عدم التوصّل إلى تفاهم يضع الجميع في موقع غير مريح ويدفع باتجاه اتخاذ مواقف غير مريحة» وألمح في هذا المجال إلى أنّه سيتخذ «القرار المناسب الذي من الممكن ألا يعجب البعض» في ما لو لم يتمّ الاتفاق على صيغة آلية عمل للحكومة تنهي مفاعيل التعطيل.

وفي وقائع جلسة الأمس، فقد استهلها رئيس مجلس الوزراء بتقديم الاعتذار باسمه وباسم المجلس من اللبنانيين عن المشهد الذي حصل في الجلسة السابقة للحكومة (إبان افتعال الوزير جبران باسيل إشكالاً علنياً في بداياتها) واصفاً ما تخلل ذلك المشهد من «تجاوز لأصول التعامل» بمثابة «صفحة وطويناها». وأفادت مصادر وزارية «المستقبل» أنّ سلام الذي استعرض في استهلاليته السياسية المقاربات التي اعتُمدت في إدارة العمل الحكومي منذ بدء الشغور الرئاسي، أكد في سياق حديثه أنه مستعد لإتاحة المجال واسعاً أمام النقاش المستجد في هذه المسألة، مع التشديد في الوقت عينه على التمسك بصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء ورفض المساس بها أو الانتقاص منها. 

وعند خوض الوزراء في نقاش الموضوع، عبّر وزيرا «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» محمد فنيش وجبران باسيل عن موقف موحّد متناسق حيال الأزمة الحكومية تحت عنوان أنّ اعتراضهما كمكونين أساسيين على أي مسألة في الحكومة يوجب عدم بتّه، الأمر الذي علّق عليه الوزير ميشال فرعون بوصفه بالنهج «الديكتاتوري». في وقت حاول الوزير حسين الحاج حسن رمي كرة الأزمة في ملعب «تيار المستقبل» من خلال قوله: «هناك من وعَد «التيار الوطني» بأمر وهناك من منع تنفيذ الوعد». فبادر الوزير رشيد درباس إلى الرد عليه مصوّباً أنه «ليس هناك وعود إنما توجد في السياسة مصالح وموازين قوى»، مشدداً على كون المشكلة الراهنة «سياسية لا دستورية وأعادت الأمور إلى ما قبل تشكيل الحكومة».

وتوجّه درباس إلى سلام بالقول: «دولة الرئيس زميلي الوزير حسين الحاج حسن همس لي قبل قليل بأنّك لن تستقيل نظراً لعدم وجود من تقدّم له استقالتك، أما أنا فأنصحك بتقديم الاستقالة إلى رب العالمين ومن ناحيتي أبحث حالياً عن 7 وزراء لنقدم استقالتنا جماعياً من الحكومة مثل ما فعل غيرنا في الحكومة قبل السابقة». هنا تدخل الوزير عبد المطلب حناوي قائلاً لدرباس: «سجّل إسمي معك».

وإذ اعتبر فنيش في مداخلته الداعمة للتوجهات العونية أنّ «هناك فريقاً في البلد لم يأخذ حقوقه منذ العام 2005»، وأعقبه في السياق نفسه باسيل بسؤال: «لماذا لا يحق لنا كفريق يمثل أكثرية المسيحيين اختيار رئيس الجمهورية؟»، رد الوزير بطرس حرب على باسيل بالقول: «في كل مرة تطالعوننا بنسب للتمثيل المسيحي «على ذوقكم»، وكل قضاياكم الشخصية تحولونها إلى وطنية (...) أنتم حريصون على رئيس الجمهورية وتمنعون انتخابه!». وأكد حرب في مداخلته أنّ «حلّ مسألة الصلاحيات يكون أولاً بانتخاب رئيس للجمهورية وهذا من مسؤولية من يعطل انتخابه بدل إلقاء محاضرات أقل ما يُقال فيها ألا علاقة لها بالدستور».

بدوره ردّ الوزير سجعان قزي على كلام باسيل قائلاً: «يكفي تكبيراً للأحجام نحن أيضاً نمثل مسيحياً ومنتخبون من الشعب ولنا شارع»، بينما طالب كل من الوزير سمير مقبل والوزيرة أليس شبطيني باعتبار «كل وزير في الحكومة مكوناً أساسياً فيها» وليس البعض دون البعض الآخر.

في المواقف أيضاً، وفي حين عبّر وزراء «الحزب التقدمي الاشتراكي» عن دعم الرئيس سلام والوقوف إلى جانبه، اكتفى وزير المالية علي حسن خليل بالقول في مداخلته: «موقفنا معروف من الآلية الحكومية لكن ما أريد أن ألفت انتباهكم إليه هو أننا مقبلون في 7 آب على استحقاق إصدار سندات اليوروبوندز ولا يحق لي إصدارها من دون تفويض من مجلس الوزراء» غير أنّ أحداً من الوزراء لم يعلق على الموضوع. كذلك طرح الوزير نبيل دي فريج سؤالاً سياسياً بقي من دون إجابة من جانب المعنيين حين قال: «سمعنا من وزراء «التيار الوطني» مدعومين من «حزب الله« تصريحات يؤكدون فيها رفض مناقشة أي بند في الحكومة قبل بت بند التعيينات الأمنية والعسكرية، فإذا طرحنا هذا البند ولم يتم الاتفاق عليه وفق الآلية التي تطالبون بها هل نكمل باقي بنود جدول الأعمال أم تصرّون على إيقاف الجلسة؟».

النفايات

وفي ختام الجلسة حين أثار وزير البيئة محمد المشنوق ملف أزمة النفايات مطالباً بالتعامل مع الملف باعتباره ذا أهمية قصوى ويشكل «حالة طوارئ بيئية»، علّق باسيل على الأمر قائلاً: «كل الملفات مهمة ولن نقبل بطرح أي ملف قبل بت موضوع التعيينات».

وفي إطار جهوده إلى تطويق أزمة النفايات، أكد المشنوق أنّ اللبنانيين سيشعرون بالحلول تدريجياً لهذه الأزمة خلال الأيام المقبلة، وأوضح إثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء للصحافيين أنه عرض أمام المجلس المساعي الجارية في سبيل إيجاد مطامر في كل المناطق اللبنانية في ضوء ضرورة إيجاد المطامر لمدينة بيروت وضاحيتيها خارج هذه المنطقة وفق ما هو مؤمن أو تجري دراسته. ولفت في هذا المجال إلى أنه يعتزم تطبيق آلية عملية لنقل النفايات إلى مطامر أو مكبات مؤقتة. 

وفي «بيت الوسط» عقد نواب العاصمة اجتماعاً بحضور رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت بلال حمد تداولوا خلاله في أزمة النفايات والحلول المطروحة لها، وبعد الاجتماع أكد النائب محمد قباني الحاجة إلى تعاون سائر المناطق مع العاصمة التي تستقبل سكان كل لبنان لمعالجة أزمة النفايات، مشيراً إلى أنه خلال الاجتماع تم الاتصال بالرئيس سلام والرئيس سعد الحريري، وأكد أنّهما «متضامنان ويتبنيان المطالب التي طرحها نواب بيروت وسنعمل جميعاً من أجل تحقيقها».

سور المطار

تزامناً، برز خلال الساعات الماضية إقدام آليات وشاحنات محمّلة بالنفايات من الضاحية الجنوبية لبيروت على رميها وحرقها بمحاذاة سور المطار لجهة المدرج الغربي في بقعة رملية تقع بين السور والأوتوستراد والبحر، الأمر الذي أثار قلق وامتعاض المديرية العامة للطيران المدني فبادر القيّمون فيها إلى الاتصال بالمراجع للتحذير من مغبة استمرار حرق النفايات بمحاذاة مدرجات المطار. كما جرت اتصالات بين مجلس الإنماء والإعمار ووزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر لتأكيد وجوب الإسراع في وقف هذه الارتكابات.