كيف سينعكس الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى على لبنان؟ حتى اليوم، لم تظهر أي نتائج إيجابية مباشرة للاتفاق، ولا هي متوقعة في المدى المنظور. من يزورون المملكة العربية السعودية، منذ ما قبل توقيع الاتفاق، ومن زاروها في الأيام الماضية، يعودون بانطباع واحد: الرياض اتخذت قرار التصعيد في وجه إيران وحلفائها، على كل جبهات الاشتباك بينهما.

والقيادة السعودية الجديدة لن تقبل بأن تسلّم لإيران بموقع قيادة الإقليم. وبناءً على ذلك، لا حل في الأفق للأزمات، من عدن إلى بيروت، مروراً بسوريا والعراق... على الأقل خلال الأشهر الستة المقبلة، إلا إذا وقع تطوّر دراماتيكي ما في المنطقة، «يجرّ» القوى المتصارعة، «غصباً» إلى طاولة المفاوضات، أو نضج الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى إلزام حلفائها بأولوية قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على ما عداها. حتى ذلك الحين، الوقائع تشير إلى احتدام الصراع في مختلف الساحات. بدأت السعودية تجميع «أوراق القوة»، ولو كانت صورية لا أكثر، كمظاهر الحفاوة في استقبالها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، العاجز عن مدّ يد العون لها في معركتها، إلا بالتزام شعاراتها السياسية. أو كاستقبالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل. وترمي الرياض من خلف هذه الخطوة إلى «نزع ورقة حركة المقاومة الفلسطينية الأكبر من يد إيران»، وإلى فتح نافذة إضافية من نوافذ انفتاحها على تنظيم «الإخوان المسلمين»، رغم ما يعنيه ذلك من تعميق للشرخ الذي ظهر أخيراً في علاقتها بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر.


تحت السقف السعودي
سيُدار العمل الحكومي: لا
تسوية، لا انفجار

 


في اليمن، شجّعت تطورات الميدان في عدن السعودية وحلفاءها على الابتعاد عن مرحلة اليأس من تحقيق أهداف ذات قيمة سياسية لعدوانها. وتستعجل الرياض، ومن خلفها الولايات المتحدة (التي يؤكد المطلعون على شؤون ميدان الحرب اليمنية أنها كانت صاحبة الدور الأكبر، جواً وبحراً، في ما تحقق في عدن خلال الأيام الماضية) استثمار التقدّم، حتى قبل أن تنجلي صورة الرد الذي سيقوم به «أنصار الله» وحلفاؤهم. وفي سوريا، تكفي المعلومات الميدانية والسياسية التي توافرت من الجنوب، لتحديد وجهة العمل السعودي في الأشهر المقبلة. فالرياض وغيرها من العواصم المشاركة في غرفة إدارة عمليات الجماعات المسلحة (غرفة «موك» في الأردن)، بدأوا التحضير لمعركة جديدة في محافظتي درعا والقنيطرة، رغم الفشل الذريع الذي منيت به «الغزوتان» الأخيرتان في المحافظتين الجنوبيتين. وبحسب المعلومات المتوافرة من الميدان، سيكون الاعتماد بصورة كبيرة على مشاركة إسرائيلية أكبر من المرة السابقة، في التخطيط وإدارة العمليات. ولا مانع، كما في الجنوب اليمني والشمال السوري، من الاستفادة من قدرات تنظيم القاعدة في وجه الأعداء. أما في العراق، فلم تقم السعودية بعد بأي خطوة من شأنها جعل قتال تنظيم «داعش» بجدية محل إجماع وطني. ويعود التمنّع السعودي إلى الرغبة في إبقاء حلفاء إيران في بغداد في حالة استنزاف، بما أن التنظيم لم يشكل بعد خطراً عسكرياً على أراضي جزيرة العرب، وبقاء خطره في الدائرة الأمنية التي يرى حكام الرياض أن في الإمكان احتواءها حتى الآن.
يبقى لبنان. القرار السعودي واضح. التنازل لحزب الله ممنوع، وكذلك لحلفائه. تبلّغ الرئيس سعد الحريري هذا «الأمر السامي»، وأبلغه بدوره إلى النائب وليد جنبلاط. التراجع أمام النائب ميشال عون غير مسموح. لا في ملف تعيين قائد جديد للجيش، ولا في الانتخابات الرئاسية. ولا بأس في ملء الوقت باقتراح تسوية لا يرضى بها عون، عنوانها حصوله على قيادة الجيش في مقابل تخليه عن الترشح لرئاسة الجمهورية. الحريري قال لجنبلاط في لقائهما الأخير في جدة كلاماً فهم منه الأخير أن الحريري غير راضٍ عن القرار السعودي، وأنه يميل إلى تسوية سبق أن التزم بها مع عون. ورغم ذلك، اتفق الرجلان على المضي في معركة كسر الجنرال، في ملف التعيينات تحديداً. جرى اللقاء بينهما قبل أن يستقبل حكام الرياض جعجع استقبال رئيس للجمهورية، وهو ما أدى إلى امتعاض كل من رئيسي تيار المستقبل والحزب الاشتراكي. الحريري المنفي طوعاً إلى جزيرة العرب لا يزال ينتظر تعاملاً سعودياً معه شبيهاً بما فاز به حليفه جعجع. وجنبلاط يمنّي النفس بمواعيد له مع أعضاء الصف الأول في الحكم السعودي. حتى اليوم، لم يحصل على أكثر من لقاء «تطييب خاطر» جمع الوزير وائل بو فاعور برئيس الاستخبارات السعودية أول من أمس.


المعلومات من الجنوب السوري تدل على التحضير لمعركة جديدة في درعا والقنيطرة

 

 

السقف السعودي في لبنان، بحسب زوار الرياض، لا يميل إلى التسوية، بل إلى المواجهة. لكن مع ضمان عدم انزلاق الأمور إلى توتر سياسي أو أمني يطيح الحكومة، ويعرّض مكتسبات الحلفاء للخطر. وتحت هذا السقف، سيدير تيار المستقبل والرئيس تمام سلام مجلس الوزراء. في ملف النفايات، كما في التعيينات الأمنية وآلية العمل الحكومي. ومن غير المنتظر أن تكون جلسة مجلس الوزراء اليوم متفجرة. النقاش، بحسب مصادر وزارية، سيتركز حول الآلية التي لا يزال كل طرف يتمسك بموقفه منها. ولم تتمكن مكونات مجلس الوزراء من الاتفاق، قبل الجلسة، على حل يقضي بالعودة إلى ما جرى العمل به بعد الشغور الرئاسي، لناحية منح كل فريق وزاري حق نقض القرارات الحكومية. فمبادرة حزب الله في هذا المجال لم تحقق خرقاً جدياً، في ظل استمرار وجود الرئيس نبيه بري في إجازة خارج البلاد. أما في ملف النفايات، فسيحاول التيار الوطني الحر المبادرة، بدل البقاء في موقع متلقي الاتهامات بتعطيل خدمات المواطنين. فوزراء التيار سبق أن تحفظوا على خطة إدارة ملف النفايات التي أقرتها الحكومة قبل أشهر، وأعلنوا في مجلس الوزراء أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق «لأن ألغامها منها وفيها». واليوم، سيسائلون رئيس الحكومة وفريقه بسبب ما وصلت إليه الأزمة. وفي الوقت عينه، يبدي وزراء تكتل التغيير والإصلاح مرونة تجاه «أي طرح يمكن أن يؤدي إلى حل الأزمة، شرط عدم الرضوخ للتمديد لشركة سوكلين، التي تبيض ذهباً».

المشنوق: خطف التشيك مافياوي

على صعيد آخر، أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق من العاصمة الفرنسية باريس أمس أن التحقيق في قضية اختطاف 5 أشخاص من التابعية التشيكية في البقاع نهاية الأسبوع الماضي، أوصل المحققين إلى «بداية طرف الخيط»، مرجحاً أن يكون دافع الخطف متصلاً «بالمافيات وتجارة المخدرات والسلاح».