بعدما طفح كيل التعطيل وبات مصير الحكومة على المحك، تتجه الأنظار بترقّب وحذر إلى ما ستؤول إليه جلسة مجلس الوزراء اليوم تحت وطأة الضغط العوني الهادف إلى خنق المؤسسة التنفيذية بعد قطع رأس الجمهورية وشلّ عمل المؤسسة التشريعية. وإذا كان سيف التعطيل المستحكم بـ«رقبة» الدولة بطولها وعرضها يطغى بلونه «البرتقالي» الفاقع في دلعه السياسي على المشهد المأسوي العام للبلد، إلا أنّ «الاصفرار» الكامن في جوهر المشهد هو ما يشكل يقيناً بالنسبة لمعظم اللبنانيين نقطة الارتكاز الأساس والرافعة الرئيسية لذلك «الدلع» المتمادي في نهجه التهويلي التعطيلي على حساب انتظام عمل الدولة وتأمين مصالح اللبنانيين بأمنهم واستقرارهم واقتصادهم ومعيشتهم وصولاً إلى صحتهم مع انفجار أزمة النفايات على مستوى الخارطة الوطنية. وعليه، فإنّ أداء «حزب الله» في جلسة مجلس الوزراء اليوم سيكون تحت المجهر الوطني لتبيان ما إذا كان سيترجم الوعود التي لا ينفك يقطعها في حواراته ونقاشاته مع القيادات والمسؤولين تأكيداً لحرصه على استمرار الحكومة وتفعيل انتاجيتها، أم أنه سيستمرّ في سياسة «قبّة الباط» إزاء الممارسات التعطيلية الهدّامة للكيان والهيكلية المؤسساتية للدولة. وبالانتظار، بقي الأفق عشية الجلسة «بلا بصيص حلّ» للأزمة الحكومية وفق ما أكدت أوساط رئيس الحكومة لـ«المستقبل»، في حين خرج زوار السرايا الحكومية أمس بانطباع مفاده أنّ سلام «قرفان» من الوضع برمته في ضوء ما آلت إليه الأمور في البلد.

وإذ لم ترصد الأوساط السياسية أي مؤشرات تشي بإمكانية إقدام «التيار الوطني الحر» على تسيير تحركات ميدانية في الشارع بالتزامن مع انعقاد مجلس الوزراء وسط تعمّد مصادر التيار اعتماد سياسة التمويه والمناورة في هذا الإطار مكتفية بالإشارة لـ «المستقبل» إلى أنّ «كل الاحتمالات واردة»، لم تستبعد في المقابل أوساط رئيس الحكومة رداً على استيضاح «المستقبل» حول حقيقة اعتزام سلام الاستقالة في حال استمرار النهج التعطيلي أن يقدم على اتخاذ مثل هذه الخطوة اليوم قائلةً: «هذا احتمال وارد إذا شعر أنّ المطلوب أن يكون رئيس حكومة تعطيل»، وشددت في هذا السياق على أنّ سلام «لن يقبل أن يكون أسير الغوغائية وعدم تحمّل المسؤولية في وقت يغرق البلد بالأزمات وتشتعل المنطقة بالحرائق».

إلا أنّ أوساط سلام نقلت في الوقت عينه أنه «ينوي فتح المجال واسعاً للنقاش في آلية العمل الحكومي على امتداد ساعات انعقاد مجلس الوزراء الثلاث، لكن إذا بقي النقاش عقيماً فإنه سيعمد إلى تحميل المعطلين المسؤولية أمام الجميع»، وأردفت: «هناك نقطتان لا يمكن لرئيس الحكومة التراجع عنهما، صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ورفض التعطيل، فهو مستعد للقبول بأي صيغة للآلية الحكومية شرط ألا تؤدي إلى تعطيل قرارات المجلس»، جازمةً بكونه «لن يرضى بتعطيل الحكومة بعد اليوم حتى لو كلّفه ذلك الاستقالة».

المشنوق

ومن باريس حيث يقوم بزيارة رسمية يلتقي خلالها كبار المسؤولين الفرنسيين، أطلق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق جملة مواقف خلال استقباله مجموعة من الصحافيين اللبنانيين في مقر إقامته في فندق «جورج الخامس» كشف في أبرزها عن توصل الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية إلى «بداية طرف خيط» في التحقيقات الجارية حول قضية المخطوفين التشيكيين في البقاع، موضحاً أنّ «الأمر يتعلق بالمافيات وتجارة المخدرات والسلاح».

أما في الشق السياسي من الأزمة اللبنانية، فلفت المشنوق إلى أنّ «المسؤولين الفرنسيين يصرّون على دفع لبنان إلى أولوية المناقشة لوضعه على جدول الأعمال»، لافتاً في هذا السياق إلى ترقب نتائج الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (الذي يلتقيه اليوم) إلى إيران. غير أنه استدرك بالقول: «أفترض أنّ هناك ورقة غير معلنة لدى فرنسا، وإلا فلن يحصل الوزير فابيوس على شيء من الإيرانيين، والمجال الوحيد المفتوح أمام الوضع اللبناني هو الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية أميركية، وبتقديري هذا الأمر غير متوافر حالياً».

وعمّا لمسه من قراءة فرنسية للاتفاق النووي الدولي مع إيران، أوضح وزير الداخلية مساء أمس لـ «المستقبل» أنّ «المسؤولين الفرنسيين يؤكدون أنّ ما تحقق في هذا الاتفاق هو أفضل ما يمكن تحقيقه وأنّ الخطوط الحمر التي وضعتها باريس تحققت كلها»، مع تشديدهم في الوقت عينه على عدم تحقق «أي جانب أو ملحق سياسي في الاتفاق النووي».

ورداً على سؤال، أجاب المشنوق: «برأي الفرنسيين طبيعي أن تعلن إيران تحقيق انتصارات ربطاً بالاتفاق المبرم، بينما في الواقع الشيء الوحيد الذي حققته أنها عادت إلى الانتساب للمجتمع الدولي وهذا بحد ذاته يفرض على طهران وضعها أمام امتحانات دائمة لتثبت أنها انتسبت بالفعل أم لا إلى الشرعية الدولية، باعتبار أنّ الاتفاق النووي وحده لا يُعتبر إثباتاً كافياً لذلك».