على رغم استبعاد بلوغ المأزق السياسي الذي يحاصر الحكومة حدود تفجيرها فعلاً في جلسة مجلس الوزراء المقررة قبل ظهر اليوم، فان ذلك لم يقلل المحاذير للعب على حافة الهاوية الذي يبدو أنه يضع الحكومة أمام احد اقسى اختباراتها منذ ولادتها. ذلك ان الجلسة ستعقد بين نارين لاهبتين: الاولى تتمدد اطرادا مع اجتياح اكوام النفايات بيروت وسائر المناطق وفيضان اكداسها في كل مكان مهددة بكارثة بيئية وصحية وسياحية بما يستحيل معه على الحكومة الا تطرح الكارثة على النقاش من بابه العريض. والثانية هي مسألة آلية عمل مجلس الوزراء التي تعتبر "الحاجز" القسري الاضطراري الذي سيتعين على مجلس الوزراء اجتياز استحقاقه وبته قبل طرح اي بند من جدول الاعمال او من خارجه وهو الاختبار المفصلي بل المصيري الذي تنشدّ اليه الانظار.
وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" أن أجواء جلسة مجلس الوزراء "عسيرة" استنادا الى موقف وزراء "التيار الوطني الحر" المدعومين من "حزب الله" والذين يتمسكون بأولوية البحث في آلية العمل الحكومي والتعيينات قبل أي شيء آخر مما يشير الى وجود قرار بـ"تعطيل" الحكومة على حد تعبير المصادر التي أشارت الى أن رئيس الوزراء تمام سلام تلقى نصائح من مراجع عربية ودولية بالبقاء في موقعه وعدم الاستقالة. وأضافت أن الرئيس سلام سيكون في جلسة اليوم "رئيس مواجهة لأي مسّ بسلطة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والحكومة على أن يكون متجاوبا مع أي طرح من خارج جدول الاعمال ضمن الاصول". وتساءلت: "هل تتمكن الحكومة اليوم من إقرار بنود من خارج جدول الاعمال وتوقيع المراسيم؟".
وتفيد المعلومات المتوافرة ان سيناريو الجلسة سيبدأ بطرح الرئيس سلام موضوع الآلية وسيقدم مقاربة يضمنها وجهة نظره في هذا الامر، طالبا من الوزراء إبداء آرائهم، وسيكون منفتحا على كل وجهات النظر لكنه لن يقبل بآي آلية لا تحظى بتوافق جميع مكونات الحكومة أو يشتم منها تعطيل عمل الحكومة ومجلس الوزراء. وفي حال تجاوز هذا الاختبار، علما ان ثمة شكوكا في ذلك في ظل اعتزام الفريق العوني الاصرار على تثبيت حق الوزراء في الموافقة والمجادلة في جدول أعمال الجلسات بما يعتبره سلام وأفرقاء آخرون مسّا غير مقبول بصلاحيات رئيس الوزراء، ينتقل الوزراء الى مناقشة ازمة النفايات التي سيطرحها رئيس الوزراء من خارج جدول الاعمال نظرا الى طابعها الطارئ الملح.
وصرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ"النهار" في هذا الصدد بأن "نص المادة 62 من الدستور ليس مطاطا إنما بعض العيون التي تقرأه هي عيون مطاطة". وقال: "إن رئيس الحكومة لن يقبل أن تكون اجتماعات مجلس الوزراء معلّقة على إجازة أي إنسان حتى لو كان رئيسا للجمهورية كاملا وليس مختصرا جدا". وحذّر من أن"التيار الوطني الحر" مدعوما من "حزب الله" يفسران كلمة "إجماع" وكأنها لـ"تعطيل عمل الحكومة ساعة يشاؤون مما يعيدنا الى أجواء الازمة السياسية قبل تشكيل الحكومة".
وفي المقابل، تحدثت مصادر مقربة من "حزب الله" عن اتصالات اجريت في الساعات الاخيرة للحؤول دون تكرار سيناريو جلسة مجلس الوزراء السابقة في 9 تموز اليوم، وقالت وإن التواصل كان تحت عنوان ان "التيار الوطني الحر" لديه مطالب محقة، وان الاجواء لا تشبه تلك التي سادت قبل الاشكال داخل الجلسة الاخيرة وهي تأمل ان تمر جلسة مجلس الوزراء بهدوء وان تناقش خلالها الآلية الحكومية من دون تقليل اهمية ملف النفايات.
كذلك رأى وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يواصل زيارته الرسمية لباريس، في لقاء صحافي أمس، ان الحكومة "يجب ان تبقى لان استمرارها قرار استراتيجي ولا احد مستعد للمغامرة بمزيد من الفراغات الدستورية ". وأكد ان رئيس الوزراء "ليس في وارد الاستقالة"، مشيرا الى ان العماد ميشال عون "لا يمكنه طلب التوافق على رأيه بل توافق على رأي يتفق عليه الجميع". ومن المقرر ان يلتقي المشنوق اليوم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.

النفايات
في غضون ذلك، علمت "النهار" أن الرئيس سلام أبلغ وفد نواب بيروت أمس أن مشكلة النفايات محصورة ببيروت الكبرى التي تضم بيروت الادارية والضاحيتين الجنوبية والشرقية والتي تضم نصف سكان لبنان الذين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد. وقال ان لبنان قسم ست مناطق ولا تعاني هذه المناطق باستثناء بيروت الكبرى أية مشكلة، بعدما تقدمت لها عروض وفضت تمهيدا لتلزيم الشركات التي رست عليها العروض. أما بيروت الكبرى التي لا أراضي لديها لإستخدامها مطامر، فلم تتلق السلطة عروضا في شأنها مما يتطلب البحث عن مطامر خارجها وهو أمر جار حاليا. وأشار الى إن الاولوية حاليا لبيروت الادارية حيث قلب الدولة ومركز نشاطاتها وتبلغ كمية النفايات فيها يوميا نحو 450 طنا وهي كمية قليلة مقارنة بأنحاء بيروت الكبرى. وأسف سلام لتضييع الفرص كما حصل مع الخطة المتكاملة التي وضعت أيام حكومة الرئيس سعد الحريري، ولكن اطاحة تلك الحكومة وضع الخطة المهمة في أدراج النسيان.

 

اللاجئون
في سياق آخر، كشف الوزير درباس لـ"النهار" أنه تبلّغ أمس من المنسق الخاص للأمم المتحدة بالإنابة روس ماونتن أن حصة لبنان من المساعدات التي تقررت في المؤتمر الاخير في الكويت للدول المانحة على صعيد اللاجئين السوريين بلغت 450 مليون دولار، 37 في المئة منها للدولة اللبنانية، وهو مبلغ أقل مما كان لبنان قد طلبه في المؤتمر. لكنه أوضح أن لبنان حتى ضمن هذا المبلغ لن يتسلم شيئا ما لم يتخذ قرار في شأنه باعتباره هبة وذلك من خلال قبولها في مجلس الوزراء المشلول حاليا.
كما أبلغ درباس "النهار" أنه تلقى رسالة من رئيس صندوق التنمية الكويتي عبد الوهاب البدر يبلغه فيها أن أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح قرر دفع منحة إضافية للبنان مقدارها 30 مليون دولار لمساعدته على تحمّل أعباء اللاجئين السوريين على أراضيه. وسأل البدر في الوقت نفسه عن هبة سابقة قدمتها الكويت للبنان ولكن لم يقبلها مجلس الوزراء بعد.