انشغلت الأوساط السياسية بزيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للسعودية. معظم السياسيين لم يتبيّنوا بعد سبب الحفاوة التي لقيها جعجع في الرياض. لقاء مع الملك سلمان، بحضور ابنه ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، ورئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان، ثم لقاء آخر مع محمد بن سلمان، بحضور وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، والحميدان ورئيس جهاز العلاقات الخارجية في القوات بيار بو عاصي. والأخير هو مَن كشفت وثائق الخارجية السعودية التي نشرتها «الأخبار»، بالتعاون مع موقع ويكيليكس، أنه قصد السفير السعودي في بيروت عام 2012، شاكياً سوء الوضع المالي للقوات، ومبدياً استعداد جعجع لزيارة حكام الرياض بهدف وضعهم في صورة ما يعانيه حزبه، وللقيام بكل ما تطلبه منه المملكة.
اليوم، عاد جعجع من الجزيرة العربية، فيما يحاول السياسيون من مختلف الانتماءات تفسير سبب الاهتمام السعودي به. وهذا الاهتمام لم تُظهره العائلة الحاكمة باستثمارها الاول في لبنان، أي الرئيس سعد الحريري، ولا بالنائب وليد جنبلاط الذي قصد السعودية قبل أيام، مانحاً إياها والحريري ما يريدانه بشأن أزمة التعيينات الامنية في لبنان.
حفاوة استقبال جعجع
في الرياض استفزّت جنبلاط ومرشحين للرئاسة يأملون بدعم سعودي
وهذا، بحسب مصادر «وسطية»، أدى إلى امتعاض جنبلاط الذي يستفزّه التعامل مع جعجع، ولو ظاهرياً، كما لو أنه رئيس للجمهورية. وتسأل مصادر من فريق 8 آذار وأخرى من التيار الوطني الحر: ما الذي سيقدمه جعجع للرياض في المقابل؟ هجوم على حزب الله؟ ابتعاد عن الجنرال ميشال عون؟ تأمين دعم لوجستي لمعارضين سوريين؟ ويُجمع السائلون على أن رئيس حزب القوات عاجز عن تقديم أي من ذلك. وفي المقلب الآخر، تؤكد مصادر 14 آذار أن صور جعجع مع حكام الرياض استفزّت أيضاً معظم المرشحين إلى رئاسة الجمهورية، وتحديداً منهم من يأملون بدعم سعودي، كالرئيس أمين الجميل والوزير بطرس حرب والوزير السابق جان عبيد.
حكومياً، تبدو الأزمة آخذة في التفاعل، رغم التزام الرئيس تمام سلام باتفاقه «الجانبي» مع تكتل التغيير والإصلاح برعاية الوزير نهاد المشنوق في جلسة مجلس الوزراء قبل أسبوعين، القاضي بأن تكون آلية العمل الحكومي بنداً أول على أي جلسة لمجلس الوزراء. فقد وزّع سلام الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس، لكن من دون إرفاقها بأي بند على جدول الاعمال. وهذه الخطوة رأت فيها مصادر تكتل التغيير والإصلاح إشارة إيجابية من سلام. لكن التعقيد أتى من مصدرين: الاول، اتفاق الحريري وجنبلاط على إطلاق قطار التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، من باب اتفاقهما في جدة على التمديد لرئيس الأركان اللواء وليد سلمان. فبحسب مصادر الطرفين، كان جنبلاط يرغب في تعيين رئيس جديد للأركان، إلا أن الحريري ردّ عليه طالباً «عدم فتح هالفتوح»، لأن تعيين رئيس جديد للأركان سيمنح العماد ميشال عون ذريعة للمطالبة بتعيين قائد جديد للجيش. وبناءً على هذا الاتفاق، سيلتقي جنبلاط قريباً وزير الدفاع سمير مقبل، الذي سيصدر قبل السابع من آب قراراً بالتمديد لسلمان، يُرجّح أن يكون لسنتين. تكتل التغيير والإصلاح المصرّ على تعيين قائد جديد للجيش مع أعضاء للمجلس العسكري بسبب غياب أي مبرر للتمديد، لا يزال على موقفه: ولايتا قهوجي وسلمان منتهيتان منذ زمن، ولا بد من تعيين بديل لكل منهما في مجلس الوزراء، ولا يجوز لوزير الدفاع إصدار قرار التمديد من دون طرح اقتراح للتعيين في مجلس الوزراء. وإذا تعذّر التعيين، يُصار إلى إيكال المهمة إلى الضابط الأعلى رتبة بعد شاغل الموقع الذي سيشغر. لكن خيارات عون تبدو ضيقة، بسبب قرار الحريري المدعوم من الرئيس نبيه بري، ومن جنبلاط حديثاً، بجعل التمديد لسلمان ثم لقهوجي أمراً واقعاً لا يمكن فعل أي شيء لمنعه. إلا أن الخيار الوحيد المتاح أمامه، إلى جانب النزول إلى الشارع، هو تعطيل العمل الحكومي ورفع شعار أولوية الانتخابات النيابية.
الحريري رفض طلب زعيم التقدمي «فتح فتوح» التعيينات الأمنية
المصدر الثاني للتوتير سيأتي من جلسة مجلس الوزراء المقبلة. فإلى جانب البحث في آلية العمل الحكومي، سيطرح رئيس الحكومة ملف النفايات. يؤكد وزراء تكتل التغيير والإصلاح أن مجلس الوزراء منح وزارة البيئة كل القرارات التي تحتاج إليها لمعالجة أزمة النفايات. أما رئيس الحكومة، فيرى أن المناقصات التي أجريت تحل، ولو مستقبلاً، أزمة الأقضية، باستثناء مدينة بيروت التي لم تتقدم أي شركة للمناقصة التي أجريت لتلزيم جمع النفايات منها وطمرها. وتتوقع مصادر وزارية أن يحاجج وزراء التكتل بأن لوزارة البيئة الحق في أن تفعل ما تراه مناسباً لحل مشكلة النفايات، من دون الحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء. لكن مصادر قريبة من التكتل تؤكد أنه في حال وضع تيارُ المستقبل التيارَ الوطني الحر في مواجهة المواطنين، فإن التكتل مستعد لتمرير أي قرار من شأنه حل أزمة النفايات. وترى مصادر في تكتل التغيير والإصلاح أن أزمة النفايات مفتعلة من قبل تيار المستقبل، لإعادة فرض التمديد لشركة سوكلين «كأمر واقع أيضاً».
وفي قضية آلية العمل الحكومي، باشر حزب الله التواصل مع حلفائه ومع رئيس الحكومة لمحاولة التوصل إلى حل قبل جلسة مجلس الوزراء. والحل الوحيد لهذه القضية هو إعادة الاعتبار إلى الآلية التي جرى الاتفاق عليها في بداية عهد الفراغ الرئاسي، والتي كانت تنص على عدم تمرير أي قرار وزاري يعترض عليه مكوّن رئيس من مكونات مجلس الوزراء، على قاعدة أن صلاحيات رئيس الجمهورية أنيطت بمجلس الوزراء مجتمعاً. وتعني هذه الآلية منح كل من مكونات مجلس الوزراء حق نقض أي من قراراته. وعلمت «الأخبار» أن وتيرة المشاورات خفتت خلال عطلة العيد، بعكس ما كان مؤملاً، بسبب سفر الرئيس بري لقضاء إجازة عائلية في الخارج.
وكان تكتل التغيير والإصلاح قد ردّ أمس على تصريح سلام بشأن ضرورة الحياد في موقع رئاسة الجمهورية وإقصاء المرشحين الأربعة الرئيسيين (عون وجعجع والجميل والنائب سليمان فرنجية)، فقال الوزير السابق سليم جريصاتي الذي تلا بيان التكتل: «ماذا يعني الحياد في رئاسة الدولة؟ وماذا يعني الحياد في معركة الخير والشر؟ ومن منح رئيس الحكومة تمام سلام حق النقض للمسيحيين الأربعة الأقوياء برئاسة الجمهورية؟»، مشيراً إلى «قول للإمام علي وفيه أن المحايد هو الذي لم ينصر الباطل، إنما المؤكد أنه خذل الحق، فهل هذا ما نريده من رئيس لبنان؟».
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس أنها فرضت عقوبات على 3 مسؤولين في حزب الله، هم مصطفى بدر الدين وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل، بسبب «تنسيق ــ أو المشاركة في ــ دعم حزب الله لحكومة (الرئيس بشار الأسد) في الحرب الدائرة في سوريا». كذلك فرضت الوزارة عقوبات على شخص قالت إنه يُدعى عبدالنور شعلان، زاعمة أنه يشتري أسلحة لحساب الحزب ويشحنها إلى سوريا.