المواطنون في لبنان يعيشون مسلسلاً طويلاً مع الازمات، وما أن ينتهوا من ازمة حتى تطل ازمة جديدة وخطرة «تنغص» عيشهم، وآخرها أزمة النفايات وتراكمها في الشوارع والطرقات في عز فصل الصيف، وما «يزيد الطين بلة» تزايد ساعات التقنين، حيث تنتشر الروائح وتحمل سمومها القاتلة. وظهرت البلديات عاجزة عن تحمل هذا العبء، فيما شبان المجتمع المدني عملوا ضمن نطاق امكانياتهم، وظهرت الدولة بأسوأ صورة.
ازمة النفايات طويلة، ولا حلول في الافق، والدولة التي مارس سياسة الهروب من المشاكل عبر التأجيل، اصطدمت بملف النفايات، وظهر النقاش والحوار في لجنة البيئة النيابية كأنه «حوار طرشان» لان القرار خارج اللجنة وبيد الاقطاب السياسيين ومحصصاتهم، حيث جدد وزير البيئة محمد المشنوق تحميل المسؤولية للبلديات. اما رئيس لجنة البيئة النائب مروان حماده فوضع «خارطة طريق» تبدأ بمناقصة تنتهي خلال 15 يوماً والتنفيذ يبدأ بعد 6 أشهر، وتم التوافق على هذا المخرج، لكن النائب حمادة لم يوضح للمواطنين ماذا سيحصل خلال الستة اشهر ومن سيتولى عملية معالجة النفايات. هذه هي ظواهر المشكلة، اما في الخفاء فهي اعمق من ذلك وتخفي محاصصة سياسية من النوع الثقيل، اذا عرف ان ملف النفايات وجمعها وطمرها تشكل اكبر عملية «نهب» للمال العام توزع بالتساوي على كبار القوم، والسؤال الكبير، لماذا لم تتم المناقصات وعملية التلزيم؟ ولماذا ترك الموضوع حتى اللحظة الاخيرة؟ ولماذا لم يعالج ويطرح وزير البيئة المناقصات مجدداً؟ ولماذا انسحبت الشركات التي قدمت عروضاً ومن ضغط عليها، كي ترسو النفايات في النهاية على شركات معينة؟ وكل مرجعية سياسية تتولى عملية الجمع والطمر في مناطقها عبر تأسيس شركات معينة، والمعلومات تشير الى ان الامور سترسو على شركة ستتولى عملية الجمع في الشوف وعاليه وسيتم الطمر في الناعمة. كما ستتولى شركة جديدة العملية في اقليم الخروب وسيتم الطمر بالقرب من الجية، اما بيروت فسيتم الطمر قرب فندق كوستابرافا في خلدة.
وفي المعلومات ايضاً، ان شركة سوكلين لم تتقدم الى المناقصات الجديدة، وانتهى التزامها في 17 تموز الماضي.
لكن المشكلة، كما تشير المعلومات، ان الشركات الجديدة التي سترسو عليها الالتزامات بحاجة لستة اشهر لكي تجهز الآليات والمعدات، وبالتالي فهناك توجه بان يتم التمديد لشركة سوكلين لستة اشهر او سنة او يتم شراء الاليات من سوكلين من قبل الشركات الجديدة التي ستوزع محاصصة بالتساوي. وهذا الاتجاه سيظهر بعد ان يطرح وزير البيئة المناقصات الجديدة. اما الاعتماد على البلديات فهو تهريب للمشكلة،لان الدولة عجزت عن الحلول فكيف البلديات؟ وبالتالي فان ازمة النفايات ستتفاقم خلال الاسابيع المقبلة، وستكبر المشكلة وربما ادت الى تحركات شعبية لن تكون بريئة.
لكن ازمة النفايات لا يمكن فصلها عما يجري في البلد، ومن السذاجة عدم ربطها بما يحصل على صعيد الحكومة، وربما هناك من يعمل على تكبير المشكلة، وعرقلة اي حلول لاعتقاده بانها ستنفجر في وجه التيار الوطني الحر الرافض لعمل الحكومة قبل بحث الالية، وربما هناك «عقل خبيث» يفكر بهذه الطريقة، لان الناس بعد ايام ستلعن كل المسؤولين امام تراكم النفايات في الشوارع، وسيقابل ذلك بحملة اعلامية ممنهجة تحمل العماد عون كل اسباب المشكلة، لان المواطن لن يفكر حينها، من المسؤول؟ ولماذا وصلت الامور الى هنا؟ وما هي مطالب الافرقاء السياسيين، وآلية عمل الحكومة، بل كل همه يصبح من سيجمع النفايات من الشوارع.
ـ مصير جلسة الحكومة ـ
وفي ظل «ثقل» ازمة النفايات على صدور الناس، تنعقد جلسة الحكومة ولا هم عند الناس الا معالجة الازمة، ولن يقف التيار الوطني الحر امام «المعالجة» وترك العماد عون لوزيريه «التصرف» حسب مقتضيات الجلسة، رغم ان التيار الوطني يؤكد ان لا دور لمجلس الوزراء في هذا الملف وكل ما هو مطلوب منه قد تم، والمطلوب مبادرة من وزير البيئة بتنفيذ قراراته السابقة في هذا الملف.
مصير الجلسة ما زال مجهولاً، والعماد عون مصر على بحث الالية قبل اي شيء آخر، رغم تأكيده ان المرحلة ليست لاسقاط الحكومة. اما الرئيس تمام سلام فأكد ان الآلية ستناقش وكذلك الملفات التي تهم المواطنين، وبالتالي فان خطوط المواجهة بين وزيري التيار ووزراء سلام والمستقبل والكتائب وسليمان وجنبلاط و14 آذار قائمة، كما قال وزير العمل سجعان قزي وبأن الوقت للمواجهة وليس للاستسلام، ولذلك فورقة الشارع جاهزة عند العماد عون، لأنه لن يتخلى عن ورقة صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، والذين يعتقدون انهم قادرون على التأثير على العماد عون من باب موضوع النفايات فهم مخطئون.
وفي ظل هذه الاجواء، يجهد الرئىس نبيه بري مدعوماً من وزيري حزب الله اللذين يجريان اتصالات مكوكية بين سلام والتيار الوطني الحر لتهدئة الامور في ظل تقدير حزب الله لدقة الظروف الاقليمية التي لا تسمح بتعميم الفراغ على كل المؤسسات، وبالتالي تبقى «بقعة الضوء» مفتوحة على الوصول الى «تسوية» «لا غالب ولا مغلوب» وترضي الجميع.
وهذا لا يعني ان حزب الله سيتخلى عن «الحليف الابدي» العماد ميشال عون، اذا شعر بوجود اي محاولة لتطويقه، فالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان واضحاً بأن العماد عون هو حليف ليوم الدين والآخرة، وبالتالي هل تنجح وساطة حزب الله ويتم تجنيب البلد خضة كبيرة؟
وما يعزز فرضية التسوية، معلومات تم تسريبها ومفادها ان قوى 14 آذار تبلغت من الاتحاد الاوروبي ومن واشنطن وعبر مسؤولين في هذه الدول بضرورة تأييد الاتفاق النووي، وكان لافتاً عدم صدور اي مواقف رسمية من الرئىس الحريري وكتلة المستقبل والدكتور سمير جعجع والكتائب وكل اطياف 14 آذار تهاجم الاتفاق النووي، لان قوى 14 آذار ترتبط بعلاقة جيدة ومتينة مع كل من واشنطن وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا والمانيا و27 دولة اوروبية موافقة على الاتفاق النووي، حتى ان الدكتور سمير جعجع صرح بعد الاجتماع مع المسؤولين السعوديين بهموم لبنان وبانتخاب رئيس للجمهورية وبالاستقرار، فيما زيارة النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور الى الرئيس الفرنسي هولاند جاءت ايضاً تحت اجواء الاتفاق النووي والتأييد الفرنسي لهذا الاتفاق. كما ان المملكة العربية السعودية لم يصدر عنها اي بيان رسمي يرفض الاتفاق بين ايران والمجتمع الدولي لا بل ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وبعد اجتماعه مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري اعلن التعاطي مع الاتفاق النووي وهذا ما اشار اليه كيري.
الدولة الوحيدة التي عارضت الاتفاق النووي هي اسرائيل على لسان رئيس وزراء العدو نتنياهو وهو الذي وصف الاتفاق بالخطأ التاريخي، ولوح بالتعاون مع المعارضين في مجلس الشيوخ والنواب الاميركيين المعارضين للاتفاق حيث رد الرئىس الاميركي اوباما حازماً بانه سيمارس حق «الفيتو» على اي قرار في الكونغرس بمعارضة الاتفاق، وبالتالي فان الكونغرس بحاجة الى الثلثين زائداً واحداً لابطال الاتفاق، وهذا امر صعب جداً الوصول اليه.
اما وزير دفاع العدو فذهب ابعد من ذلك مطالباً بحلف اسرائىلي ـ سعودي ـ خليجي ـ مصري للوقوف ضد الاتفاق النووي، وان كلامه لا يمكن وضعه الا في اطار مناورة كلامية، الهدف منها احراج الخليج ومصر عبر كلامه عن تحالف مشترك.
الامور مرهونة بما سيحصل في جلسة الخميس، و«بقعة الضوء» التي خلفتها اتصالات حزب الله مع الاطراف لتجنب المواجهة في الحكومة، لا يمكن الحكم عليها بانتظار مسار الجلسة.