رهان واشنطن على إيران لم ينقطع يوماً وقد بذلت من أجل ذلك جهوداً جبّارة لتصحيح خلل تاريخي في علاقة لم يتم ترسيمها بشكل جيد لإعتبارات فرضتها شعارات الثورة الإيرانية من جهة ومواقف أمريكا الثابتة من كل أشكال الحركات الثورية وخاصة تلك التي تحدث في الدول التابعة لسياساتها. من جهة ثانية .
بدأت الثورة الإيرانية واستمرت كدولة "مشيطنة " للولايات المتحدة وهذا ما كلّف ايران معاداة العالم بأكمله وراهنت على الشعوب كبديل يؤسس لدور إيران الإقليمي خارج السيطرة القطبية آنذاك للسوفيات وللولايات المتحدة ونجحت في تثوير شعوب كانت محبطة نتيجة لسقوط الخيارات القومية والماركسية بعد تجربة مرّة مع أحزابها وشبكاتها السياسية .
كانت فلسطين مادة دسمة لإيران أحيت من خلالها دورها في الصراع العربي – الإسرائيلي ونفدت منه الى شرق أوسط عربي ثمّة استحالة فارسية لدخوله لولا حجة فلسطين ومساعدة قوى المقاومة الفلسطينية على استرجاع حقوقهم المسلوبة .
وكان احتلال لبنان من قبل العدو الإسرائيلي ورقة حظ إيران التي استغلت الإحتلال لصالح مقاومة تعمل وفق رؤية الثورة الإيرانية ومن ثم استراتيجية الدولة كمشروع أمني متقدم في حسابات إيران الإقليمية وبعد فترة سريعة حصدت إيران مكتسبات المقاومة من التحرير إلى الدور الطليعي للمقاومة في لبنان وخارجه إلى أن جاء الربيع العربي ليضع إيران على محك الخيارات الجوهرية فأسلمت سياستها لصالح أظلم نظام أوسطي ودخلت معركة مفتوحة مع شعوب ودول الربيع العربي من معركة الحفاظ على النظام السوري وبذلك حصلت على عداوتين واحدة مع شعوب الثورات العربية والثانية مع مليار وأكثر من مليار مسلم سُني وربحت عصبية المسلمين الشيعة المهددة بعصبية أقوى بكثير منها في عالم محكوم بأكثرية داعشية طالما أن الصراع قد تمذهب وأخذ بعده العقائدي الخلافي .
لذا ضعفت المقاومة وبدى حزب الله حزباً كباقي الأحزاب التابعة لدول إقليمية ودولية وخرج بقوّة دوره في الحرب السورية من بيوت وقلوب المجتمعين العربي والإسلامي وتبقى له طائفة تورطه أكثر في تأييد هستيري يؤذيه ولا ينفعه في شيء إلا باستحضار المزيد من الأعداء .
كان إتفاق ايران مع مجموعة الدول ال5+1 ضرورة ملحة لتعويض إيران عن خساراتها في العراق وسورية بجعل المجتمع الدولي وسيطاً لتسوية سياسية تعطي إيران الحصّة التي لم تستطع أخذها في الحرب ولتنشيط الدورة الإقتصادية النائمة في إيران نتيجة لسيف الحصار المسلط عليها ولمنطق العقوبات الذي حرم ايران من أرصدتها المالية .
هذا الإتفاق إذا لم ينسحب على تصحيح الخلل القائم بين إيران والعرب سيبقي الحروب المشتعلة على ما هي عليه وسيستقدم المزيد من أدوات الحرب وسيخلق ساحات جديدة وأشكال جديدة لصراع استحضروا فيه البعدين الطائفي والمذهبي لتأجيج نار الحرب التي ستحرق أقليّات كانت آمنة تحت سقف السلم الأهلي .
حزب الله أمام مرحلة صعبة لن يكون الإستنزاف أحد علاماتها الكبرى بل ثمّة مخاض كبير لتصفية حسابات بحجم إعادة بناء منطقة أوسطية وفق خيارات وتوازنات جديدة لن تكون لصالح ما يستهلكه روّاد الحرب من شعارات أو من يظنون أن الحروب طريقاً للنصر .