شاهدت كما غيري من الناس الأحداث البربرية لفيديو يعرض وحشاً بشرياً حاملاً بيده اليمنى ما بدا سكيناً ويكور قبضته اليسرى وهو يطارد رجلاً في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بين البعض القليل من الناس الذين انتحوا جوانب الطريق بعدما هالهم المنظر المرعب وأصيبوا على ما يبدو بحالة كبيرة من الذهول المغلف بمقدار أكبر من الهلع والخوف .
وبعد المطاردة الميدانية لدقائق قليلة تمكن من الإنقضاض على الرجل الضحية ودون أي حوار طرحه أرضاً وانهال عليه بالطعن حيناً والضرب المبرح حيناً آخر ، ولم تنفع صرخات امرأة كانت ربما مع الجاني لردعه عن ارتكاب جريمته الموصوفة ، فلم ينفك عن فريسته حتى استيقن أن الروح فارقت الجسد الذي تحول إلى جثة هامدة بلا حراك.
طبعاً وسائل الإعلام تناقلت الخبر الذي نزل كالصاعقة على اللبنانيين بتقنيات عالية ، إلا أن التعليقات بالغت في الإجتهادات تبعاً لخلفية كل وسيلة دونما المقاربة الواقعيه للأسباب التي تشكل الدوافع الحقيقية لإرتكاب مثل هذه الجرائم الفظيعة.
فبغض النظر عمن يمكن أن يكون الوحش المفترس وعمن يمكن أن يكون الفريسة الضحية ، وبالرغم من أنّ الحدث خارج عن مألوف الجريمة العادية إلاّ انّ أي مواطن لبناني يعيش على أيّ بقعة من بقاع الوطن وفي أيّ لحظة يمكن أن يتعرض لمثل هذه الجريمة البشعة في ظل الواقع الأمني المتفلت والواقع الإجتماعي المتردي والواقع السياسي الهزيل .
فالمجني عليه جورج الريف لم يقتله رجل خارج على القانون وفار من وجه العدالة وفاقد للحد الأدنى من الأخلاق والدين إسمه طارق يتيم فحسب ، فالجاني هو وسيلة القتل فقط ، إنمّا الجريمة هي نتيجة مجموعة عوامل تقاطعت فأنتجت أمثال هذه الافعال النكراء .
وأهم هذه العوامل :
أولاً : الإهتراء السياسي الذي أدى إلى تعطيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية وحال دون قيامها بواجباتها فتعطلت معها القوانين الرادعة عن ارتكاب مثل هذه الجرائم وأدى بالتالي إلى تحويل الأمن إلى مجرد فولكلور إستعراضي أكثر منه إجراءات أمنية لحماية المواطن ، بحيث أصبح البحث عن حزام الأمان أهم بكثير من البحث عن حزام ناسف .
ثانياً : الخواء الديني الذي أدى إلى تعطيل المؤسسات الدينية وتحويلها إلى متاريس للدفاع عن منازل القمر لتحديد أول الشهر القمري من آخره بحيث استحالت وظيفة علماء الدين من أئمة هدى ومصابيح دجى تنير ظلمات الجهل وتدعو لعمل الخير ومكارم الأخلاق لردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب بما فيها قتل النفس المحترمه إلى تجار بالدين ورجال دنيا .
وأخيراً ، التعاطي السلبي للمجتمع مع قضاياه الحياتية والمصيرية والذي أدى إلى تعطيل ملكات النخوة والإيثار والمبادرة الإيجابية لدى مكونات هذا المجتمع ، بحيث أضحى المواطن عاجزاً عن التعبير عن رأيه ومصالحه ، وما يعني ذلك من خنق لصوت الحق والعدالة .
فغياب الروادع القانونية والروادع الأخلاقية وسلبية المجتمع هي التي تشجع وحوشاً بشرية للأقدام على ارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة ، ذلك أنّ انعدام الخوف من القانون ومن الله ومن المجتمع هو من دفع طارق يتيم لإرتكاب جريمة القتل البشعة بحق المواطن الضحية جورج الريف وفي وضح النهار دون أن يرف له جفن ، فمن قتل جورج هو المناخ العام الموبوء الذي فرضته قوى الأمر الواقع التي عطلت القانون ومسخت الدين وأفسدت المجتمع .