أبرم الاتفاق النووي مع إيران وفرح العالم، لكن إسرائيل غاضبة وحكومتها لا تزال تراهن على موقف الكونغرس وإمكانية تعطيل الاتفاق. ويتخوف كثيرون من أثر الصراع الجاري على العلاقات الأميركية الإسرائيلية وعلى موقف الرأي العام الأميركي والعالمي من قضايا أخرى تتعلق بإسرائيل. ويرى كثيرون، خصوصا في المؤسسة العسكرية أن ما ينبغي التركيز عليه هو رزمة المعونات الأميركية تعويضا عن الاتفاق، وليس زيادة الشرخ مع أميركا. لكن حكومة نتنياهو لا تزال تراهن على تعطيل الاتفاق وترى أن الحديث في رزمة التعويضات يضر بجوهر الموقف الإسرائيلي.

ومع ذلك تسرب أوساط عسكرية إسرائيلية وسياسية أميركية أنباء عن نوعية التعويض المطلوب أو المعروض والرامي لتقليص الآثار الضارة المحتملة من الاتفاق. وهكذا تقدر أوساط أمنية إسرائيلية، وفق «معاريف» أن رزمة المساعدات الأميركية لإسرائيل في السنوات المقبلة ستتعزز في عدة اتجاهات. وهي تقدر أن أميركا ستمنح إسرائيل سربا إضافيا من طائرات «إف 35» فضلا عن تمويل إضافي لبرامج تطوير منظومات دفاع وأسلحة لصالح الجيش الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار تضع «معاريف» زيارة وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إلى الدولة العبرية، الأسبوع المقبل، بدعوة من وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون. وهناك تقديرات بأن يضع كارتر على الطاولة رزمة مساعدات أمنية إضافية تسهم في تقليص مستوى اللهيب بين تل أبيب وواشنطن. ولا يقل أهمية عن ذلك أن كارتر سيعيد التأكيد أمام العالم بالتزام أميركا الراسخ بأمن وازدهار إسرائيل. ومن المؤكد أن أميركا سوف تشترط رزمة التعويضات بتعهد إسرائيل عدم فعل ما من شأنه التخريب على الاتفاق عسكريا أو سياسيا.

وكانت «هآرتس» قد نشرت أن الرئيس الأميركي باراك أوباما عرض على رئيس الحكومة الإسرائيلية الشروع فورا بمفاوضات لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي الهجومية والدفاعية، كنوع من التعويض على الاتفاق النووي. وقالت الصحيفة إن هذا ما علمته من مسؤول أميركي رفيع المستوى، أكد أن هذا هو العرض الرئاسي الثاني لإسرائيل. وفيما جاء عرض أوباما الأخير لنتنياهو يوم الثلاثاء الفائت في أعقاب إبرام الاتفاق فإن عرضه الأول تم في الثاني من نيسان الفائت في حديث هاتفي بينهما اثر إعلان اتفاقية الإطار في لوزان.

وأوضحت «هآرتس» أن نتنياهو امتنع منذ نيسان عن قبول العرض الأميركي خشية أن يفهم بأن إسرائيل سلمت بالاتفاق النووي مع إيران. وبعدها أوضح نتنياهو للصحافيين الأجانب في إسرائيل أن وجهته هي محاربة الاتفاق وليس التوصل لصفقة بشأنه مع أميركا. وحسب المصدر الأميركي فإن أوباما في مكالمته الأخيرة مع نتنياهو أبدى تفهمه لرفض عرضه الأول لكنه أشار إلى أنه لم يعد هناك منطق في الرفض بعد إبرام الاتفاق الشامل مع إيران. وشدد أوباما على وجود مجال لمباحثات بين إسرائيل وأميركا للحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي على خلفية التغييرات التي قد تقع في المنطقة جراء الاتفاق النووي.

ومرة أخرى امتنع نتنياهو عن التجاوب مع عرض أوباما لكن الأخير أبلغه أنه سيرسل وزير دفاعه الأسبوع المقبل في زيارة لإسرائيل. ويتوقع أن يعيد كارتر عرض مقترح أوباما على المسؤولين الإسرائيليين. ويصر مسؤولون أميركيون على أنهم لا يزالون ينتظرون الرد الإسرائيلي. ويقولون إنه «إذا كانت إسرائيل تصر على انتظار نتائج مداولات الكونغرس فلا بأس في ذلك. ونحن على استعداد لإجراء المباحثات حينها، لأنه أيضا بعدها سوف تشرق الشمس وستواصل إسرائيل وأميركا التعاون في المجالات الأمنية».

وفي كل حال فإن المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل أكد أن كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل أبدوا قلقهم من التحسن المتوقع في مكانة إيران الإقليمية بعد الاتفاق أكثر من أبعاد مشروعها النووي. وحسب أحد هؤلاء فإن بوسع إيران التحرر بسهولة وسرعة من العزلة الدولية المفروضة عليها وأن الشركات الأوروبية «تقف في طابور» لتجديد علاقاتها مع إيران التي سيتمتع اقتصادها بحقنة من عشرات مليارات الدولارات خلال وقت قصير.

وأشار هارئيل إلى أنه لذلك ستواصل إسرائيل صراعها ضد الاتفاق في الكونغرس من أجل عدم إزالة العقوبات ومن دون الالتفاف إلى رزمة المساعدات الأمنية الأميركية. وقال إن نتنياهو مصر على تركيز الجهود مع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الجمهوريين والديمقراطيين لتوضيح الثغرات الكثيرة الموجودة في الاتفاق. ومعلوم أن إسرائيل يمكنها أن تنجح في جهدها في الكونغرس إن أفلحت في كسب تأييد 13 سيناتورا ديمقراطيا إلى جانب تأييد كل السيناتورات الجمهوريين وهو ما يبدو احتمالا ضعيفا.

ويشرح هارئيل أن في المؤسسة الأمنية من يطالبون بالاستعداد لما بعد الاتفاق وإقراره. فالاتفاق سيخلد إيران كدولة عتبة نووية وهي بعد عقد من الزمن لن تكون ملزمة بالاتفاق. ولذلك فإن الأسئلة الأشد إقلاقا لإسرائيل تتعلق بتمويل المنظمات الإسلامية الجهادية. ومع ذلك فإن المؤسسة الامنية تريد الانتظار إلى أيلول المقبل حين تتضح الصورة في الكونغرس وبعدها يمكن أن تدخل في مباحثات جوهرية حول التعويضات الممكنة.

وجاءت زيارة وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إلى إسرائيل، أمس، ضمن سياق التطمينات التي تسعى الدول الغربية إلى إعطائها للدولة العبرية بعد الاتفاق مع طهران.

وقال هاموند قبيل اجتماعه مع نتنياهو في القدس «لم نكن لنوافق على الاتفاق من دون التأكد من أن هناك تدابير متينة تتيح الاشراف الفعال على البرنامج النووي الايراني». وأضاف أن «تركيزنا الان سيكون على التنفيذ السريع والكامل للاتفاق لضمان ان يبقى السلاح النووي بعيدا عن متناول ايران».

(السفير)