قبل الحديث عن تفاصيل الإتفاق النووي الذي أبرم بين إيران ومجموعة ٥+١ وقبل الحديث عن الرابح والخاسر في هذا الإتفاق، وبعيداً عن إحتفالات وتطبيل وتزمير إعلام الممانعة ، يجب الإعتراف بأنّ هذا الإتفاق يصب في مصلحة الشعب الإيراني الذي ملّ تصدير الثورات والحروب والعقوبات التي أفقرته وأوقعته في العجز والعوز على الرغم من إدعاءات النظام ومكابرته ، والشعب الإيراني عبّر عن فرحته العارمة في الشارع وفي الإعلام، وخاصةً التيار الإصلاحي ، حيث تعاملت الصحف الإصلاحية بإيجابية مع هذا الإتفاق ووصفته بالإنتصار الكبير، أمّا الصحف المحافظة التابعة للمرشد خامنئي ولتياره المتشدد، فهاجمت الإتفاق وشككت بمصداقية الجانب الأميركي بالإستناد إلى تجارب سابقة، والمرشد نفسه حذّر الرئيس حسن روحاني من الذهاب بعيداً في الوثوق بالدول الكبرى.
وهذا يعني بأنّ التيار الأصلاحي هو الرابح في توقيع الإتفاق، ما سينعكس على الإنتخابات التشريعية الإيرانية التي ستجري في ٢٦ شباط القادم، وهذا الإتفاق سيكون له تداعيات على النظام الإيراني، لأن رحلة الإلتزام بهذا الإتفاق ستفرض تعديلات جذرية في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية وتستوجب إصدار تشريعات ستكون صعبة ومكلفة ولها تداعيات على التوازنات السياسية داخل النظام وخارجه ، ورحلة الإلتزام بتنفيذ الإتفاق النووي ستكون أكثر صعوبة على النظام الإيراني من رحلة المفاوضات الشاقة التي إستمرت ٢٢ شهراً .
فالمفاوضات مع الغرب تستنفر الشعور الوطني عند الإيرانيين وتستدعي إلتفافهم حول المفاوض الإيراني، لكن عندما يكون الأمر متعلقاً بإلتزامات وسياسات داخلية وإصدار قوانين وتشريعات، ستشتعل النزاعات الداخلية بين النظام والمعارضة وبين التيارين الإصلاحي والمتشدد داخل النظام ، والإتفاق بخطوطه العريضة يشكل صفعة للتيار المحافظ الذي مثله بالسابق الرئيس محمود أحمدي نجاد ويمثله اليوم التيار المتشدد التابع للمرشد الذي لم يبدِ أي حماسة لهذا الإتفاق منذ الإعلان عن إتفاق الإطار في نيسان الماضي .
لكن المفاوض الإيراني تابع المفاوضات بدهاء وصبر وحكمة وهو الذي يجيد اللعب حتى اللحظة الأخيرة على حافة الهاوية، ويعرف متى يوقّع على الإتفاق قبل أن يقع في الهاوية .
الإتفاق وفّر على إيران المزيد من العقوبات والحصار والضغط الدولي وربما جنّبها حرب مدمرة، وهو بهذا المعنى يعدّ ربح لإيران ، على الرغم من التنازلات التي قدّمها النظام الإيراني الذي سبق له أن رفض تقديم مثل هذه التنازلات في الماضي، وبموجب هذا الإتفاق، ستلتزم إيران مقابل رفع الحصار وإلغاء العقوبات، بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم من ٢٠% إلى ٣,٦%، وستسلم إيران ٩٨% من مخزونها من اليورانيوم المخصب، بحيث ينخفض مخزونها من ٧ طن إلى ٣٠٠ كلغ فقط، وهذا ما يجعل حلم الحصول على القنبلة النووية من المستحيلات، بالإضافة إلى موافقة إيران على حملات التفتيش التي تطال كل المراكز التي تحددها الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون سابق إنذار .
وينص الإتفاق على إبقاء الحظر التسليحي الذي أقرته الأمم المتحدة لمدة خمس سنوات والحظر الصاروخي لمدة ثماني سنوات إعتباراً من بدء تنفيذ الإتفاق ومنع إيران من الأبحاث النووية لمدة ١٥ سنة في حال إلتزمت إيران بمندرجات هذا الإتفاق .
هذه العينة الصغيرة من البنود التي تضمنها الإتفاق تكشف بأن حديث إعلام الممانعة عن إنتصار مطلق حققته إيران على المجموعة الدولية وأنها أخضعتها لإرادتها فيه مبالغة وتضليل للرأي العام، مع العلم بأن الرئيس الإيراني نفسه لم يتكلم عن رابح وخاسر في الإتفاق، وإعتبر بأن الكلّ رابح.
وبذلك تكون إيران بدأت رحلة الدخول من كنف الثورة إلى كنف الدولة ومنها إلى كنف المجتمع الدولي، وهذا يصبّ في مصلحة الشعب الإيراني على المدى البعيد، بغض النظر عن الربح المباشر الذي ستجنيه إيران على المدى القريب، على أمل أن تسمح إيران لحزبها في لبنان بأن يبدأ رحلة العبور من كنف المقاومة إلى كنف الدولة، لأن في ذلك مصلحة له وللشعب اللبناني، هذا إذا كانت إيران مهتمة أصلاً بمصلحة الشعب اللبناني .